أنزلت عشرات الطائرات الروسية أعدادا كبيرة من الجنود لدعم الحكومة في كازاخستان إزاء الاحتجاجات. وفي حين أمر رئيس هذا البلد قاسم جومارت توكاييف، الجمعة، بإطلاق النار على من سماهم المخربين، أبدت الصين وعدة أطراف دولية دعمها للحكومة. ومن جانبها قالت أميركا إنها تراقب الوضع عن كثب.
ونقلت رويترز عن وزارة الدفاع الروسية أن أكثر من 70 طائرة أنزلت الجمعة "قوات حفظ سلام" بكازاخستان. وذكرت وكالة الإعلام الروسية أمس -نقلا عن منظمة معاهدة الأمن الجماعي (تحالف عسكري لجمهوريات سوفياتية سابقة) - أن القوة ستضم إجمالا نحو 2500 فرد، وستبقى في كازاخستان لأيام أو أسابيع، وستغادر فور انتهاء مهمتها.
وأضافت المنظمة أن مهمة هذه القوة ليست قمع المحتجين، بل مساعدة كازاخستان في حماية المنشآت الحيوية، مؤكدة أن الأحداث بهذا البلد تهديد حقيقي لأمن الدولة وسيادتها.
وكانت السلطات الكازاخية قالت في وقت سابق إن قوة لحفظ السلام تابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي -كان توكاييف قد طلبها هذا الأسبوع- تصل إلى البلاد حاليا، لكنها لا تشارك في القتال أو "القضاء على المسلحين". وأضافت الحكومة أن هذه القوة التابعة لموسكو ستوفر غطاء وستؤدي مهمة أمنية.
وذكر توكاييف اليوم أنه أصدر أوامر بإطلاق النار في مقتل لمواجهة أي اضطرابات أخرى يثيرها "قطاع الطرق والإرهابيون". وأضاف أن النظام الدستوري تمت استعادته في معظمه، عقب صدامات نتجت عن احتجاجات على أسعار الوقود، في حين أنزلت طائرات عسكرية روسية اليوم قوات لدعم السلطات الكازاخية.
وفي كلمة بثها التلفزيون الرسمي، قال الرئيس الكازاخي "قرابة 20 ألفا من قطاع الطرق هاجموا ألماتي كبرى مدن البلاد ودمروا ممتلكات الدولة" مشددا على أنه أمر أجهزة إنفاذ القانون والجيش بـ "إطلاق النار في مقتل دون سابق إنذار" معبرا عن رفضه إجراء أي محادثات مع المحتجين، واصفا إياهم بالمجرمين والقتلة.
وقال توكاييف في بيان "قوات إرساء النظام تبذل جهودا حثيثة، والنظام الدستوري أعيد إلى حد كبير في كافة المناطق" مؤكدا أن عمليات إعادة النظام ستستمر حتى القضاء التام على المسلحين، وأضاف "السلطات المحلية تسيطر على الوضع، لكن الإرهابيين ما زالوا يستخدمون الأسلحة، ويضرون بممتلكات المواطنين".
ومن جانب آخر، ذكر التلفزيون الرسمي أن الرئيس توكاييف سيوجه خطابا إلى مواطنيه اليوم.
وقالت وزارة الداخلية إنه "تمت تصفية 26 مجرما مسلحا واعتقال أكثر من 3 آلاف آخرين" وجرى "تطهير" كافة المباني الإدارية ومباني البلديات في كافة المدن، وتشكيل 70 نقطة تفتيش في عموم البلاد. وأضافت الوزارة أن 18 من أفراد الشرطة والحرس الوطني قتلوا، بالإضافة إلى إصابة نحو 750 آخرين.
ووقعت المواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين إثر اندلاع احتجاجات غير مسبوقة الأحد الماضي، بسبب الزيادة في أسعار الوقود مع بداية العام الحالي، ثم تضخمت الاحتجاجات أول أمس عندما اقتحم محتجون مباني عامة -في مناطق منها ألماتي كبرى مدن البلاد- وأضرموا بها النيران، مرددين شعارات مناهضة للرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، متهمين أسرته وحلفاءه بتكديس الثروات في وقت تعاني البلاد التي يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة من الفقر.
وقد انقطعت خدمات الإنترنت، وتوقف عمل البنوك في معظم أنحاء البلاد.
وشاهد مراسلو "رويترز" -صباح اليوم- حاملات جند مدرعة وعسكريين في الميدان الرئيس في ألماتي، حيث أطلق الجنود النار على محتجين قبل يوم.
وعلى بعد مئات الأمتار، رأى مراسلو الوكالة جثة في سيارة مدنية لحقت بها أضرار بالغة، وفي جزء آخر من المدينة رأوا متجر ذخيرة منهوبا. ورأى المراسلون أيضا مركبات عسكرية ونحو 100 شخص في زي عسكري بميدان آخر في ألماتي.
بالمقابل، قال المعارض الكازاخي البارز المقيم في فرنسا مختار أبليازوف إن النظام الحاكم في بلاده "شارف على نهايته في ثورة شعبية اتحد فيها الناس للمرة الأولى للتعبير عن غضبهم" وأضاف أبليازوف -وهو وزير سابق للطاقة- في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية إن تدخلا عسكريا بقيادة روسية يشكل "احتلالا" وحض الكازاخيين على الوقوف بوجه القوات الأجنبية.
المواقف الدولية
قالت روسيا إن ما يجري في كازاخستان محاولة مدعومة من الخارج لتقويض الأمن، وقالت الخارجية الروسية إنها تدعم الحل السلمي في هذا البلد لكل المشاكل في إطار القانون وعبر الحوار، وليس عبر الاحتجاج بالشارع وخرق القانون. وصرح ألكسندر جروشكو نائب وزير الخارجية الروسي اليوم بأن بلاده واثقة من قدرة هذه الجارة الكبرى على التعامل مع مشكلاتها.
في حين جدد وزير الخارجية الأميركي -في اتصال مع نظيره الكازاخي مختار تليوبيردي- دعم الولايات المتحدة الكامل للمؤسسات الدستورية في كازاخستان وحرية الإعلام، ودعا إلى حل سلمي للأزمة يحترم الحقوق.
غير أن المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي صرحت بأن إدارة الرئيس جو بايدن تراقب الوضع في كازاخستان. كما تراقب عن كثب التقارير التي تفيد بأن منظمة معاهدة الأمن الجماعي أرسلت قوات إلى هذا البلد.
وأضافت ساكي -في إفادتها الصحفية اليومية- أن ثمة تساؤلات عن طبيعة تلك القوات، ومدى شرعية نشرها، مشيرة إلى أن الوضع في كازاخستان لن يؤثر على المحادثات مع موسكو، والمقررة الاثنين المقبل.
أما موقف الصين، فقد قال المتحدث باسم الخارجية إن هذه الأحداث شأن داخلي وإن السلطات هناك قادرة على التعامل معها بالشكل المناسب.
ومن جانبها دعت الأمم المتحدة كل الأطراف إلى ضبط النفس وتفادي العنف وتشجيع الحوار.
وقد عبرت بريطانيا -على لسان وزيرة خارجيتها ليز تروس- عن القلق الشديد بشأن الاضطرابات في كازاخستان، وقالت إن حكومتها تراقب الوضع عن كثب.
ومن ناحيتها دعت فرنسا كل الأطراف إلى ضبط النفس، وقال وزير الخارجية جون إيف لودريان إن هذه الأحداث مقلقة.
أما الاتحاد الأوروبي فقد أعرب عن "قلقه العميق" حيال الاضطرابات في كازاخستان، معتبرا أن إرسال موسكو دعما عسكريا خارجيا لهذا البلد "يعيد ذكريات عن أوضاع ينبغي تجنّبها".
وفي ألمانيا أوصت الحكومة أمس مواطنيها بعدم السفر إلى كازاخستان في ظل الاضطرابات التي تشهدها حاليا، في وقت ألغت فيه شركة الخطوط الجوية التركية رحلاتها المقررة إلى كازاخستان حتى الأحد التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري.
هذا وقد أعربت منظمة التعاون الإسلامي -أمس- عن قلقها البالغ إزاء العنف في كازاخستان، داعية إلى نبذه.