لا يولي حلفاء الأطلسي اهتماماً بأسباب وحيثيات سقوط المقاتلة الأمريكية F-35 باهظة الثمن، بقدر الجهد الذي يبذلونه من أجل العثور على حطام المقاتلة قبل سقوطه بيد روسيا، كون الحطام يعد كنزاً مليئاً بالأسرار العسكرية وصيداً معلوماتياً غاية بالأهمية.
منذ سقوط مقاتلة F-35 التابعة للقوات البريطانية في المياه الدولية بالبحر الأبيض المتوسط يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تشهد مياه المتوسط صراعاً للبحث عن كنز الحطام بين روسيا من جهة، وأمريكا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي لا تزال به أعمال البحث جارية كثرت التكهنات حول أسباب سقوط المقاتلة الشبحية من الجيل الخامس البالغة قميتها أكثر من 100 مليون دولار، كان آخرها ما نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن مسؤولين يعتقدون أن سبب سقوط المقاتلة هو نسيان إزالة غطاء المطر عن محرك الطائرة قبل إقلاعها من متن حاملة الطائرات "كوين إليزابيث".
وعقب سقوطها لم يتوانَ حلف شمال الأطلسي "الناتو" عن التعبير عن مخاوفه من إمكانية عثور موسكو على حطام المقاتلة الغارق تحت مياه المتوسط وبالتالي الكشف عن التكنولوجيا المتطورة التي تملكها مقاتلة F35، وبالأخص التقنية الشبحية التي تجعلها متخفية أمام أعين الرادارات المعادية.
هل غطاء المحرك هو سبب سقوطها؟
حسب صحيفة "ديلي مايل" البريطانية فإن محرك الطائرة الشبحية من طراز (F-35B Lightning) التي أُجبر طيار سلاح الجو الملكي البريطاني على مغادرتها سحب غطاء المطر أثناء إقلاعها من متن حاملة الطائرات "كوين إليزابيث"، وهو ما أدى إلى تعطل المحرك وسقوط الطائرة في مياه المتوسط بعد فترة قليلة من إقلاعها.
وفي أعقاب حادثة السقوط أفاد أفراداً من البحرية البريطانية أنهم وجدوا غطاء المطر الخاص بالمقاتلة الشبحية يطفو في البحر بالقرب من حاملة الطائرات البريطانية .
من جانبها نقلت صحيفة "ذا صن" البريطانية عن مصادر مطلعة أن طيار سلاح الجو البريطاني أدرك الأمر وحاول منع إقلاع المقاتلة لكنه لم يتمكن من وقفها لقصر مدرج البارجة، وأضافت المصادر أن أفراد الطاقم أيضاً أدركوا الأمر ذاته فور إقلاع المقاتلة.
ليست الحادثة الأولى
صحيح أن حادثة سقوط مقاتلة F-35 في مياه المتوسط قبل أيام هي الحادثة الوحيدة التي أعلن فيها عن تحطم مقاتلة من هذا النوع وسقوطها في مثل هذه المنطقة القريبة من مياه مصر الدولية، فضلاً عن كونها حادثة التحطم الأولى لسلاح الجو الملكي البريطاني الذي خسر أولى مقاتلاته من نوع F-35، والبالغ عددها حتى اليوم 21 مقاتلة تعمل غالبيتها على متن حاملتَي الطائرات البريطانيتين "كوين إليزابيث" و"برينس أوف ويلز".
إلا أن حادثة السقوط هذه ليست الأولى في تاريخ مقاتلات F-35 الأمريكية، فسبق أن سقطت طائرة من نفس الطراز تابعة لمشاة البحرية الأمريكية في ولاية ساوث كارولينا في سبتمبر/أيلول 2018، إذ تمزق أنبوب الوقود في توقف محرك الطائرة عن العمل وبالتالي تحطمت.
وقبل 4 أشهر تقريباً من وقوع حادثة كارولينا تحطمت مقاتلة أخرى من نفس الطراز في أمريكا بسبب حدوث حريق، كان سبباً أيضاً في سقوط أخرى عام 2014 في مهمة روتينية بالقرب من قاعدة غرب ولاية فلوريدا الأمريكية.
كنز حطام لروسيا
لكن حادثة التحطم هذه تعتبر مختلفة كلياً، كون المقاتلة تحطمت في المياه المفتوحة، الأمر الذي دفع دولاً عدة وعلى رأسها روسيا إلى المشاركة بعمليات بحث واستكشاف للحصول على بقايا الحطام الذي يعد بمثابة كنز معلوماتي قيم عن المقاتلة وتكنولوجيا تخفيها، خصوصاً أن موسكو مستعدة لدفع الغالي والنفيس للحصول على مقاتلة من أجل تفكيكها ودراستها من كثب للوقوف على المزاعم التي تتحدث عن قدراتها في التخفي عن الرادارات الروسية المتطورة لأنظمة S-300 وS-400 التي تعد فخر الصناعات الروسية في مجالات الدفاع الجوي.
ومن أجل قطع الطريق على موسكو كثفت المملكة المتحدة التي تعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة وإيطاليا من جهود التمشيط والبحث لاستعادة حطام الطائرة الذي يعتقد أنه موجود على عمق ميل واحد أسفل مياه المتوسط بالقرب من الساحل المصري، خوفاً من وقوعها بيد الروس الذين كانوا يتعقبونها منذ اللحظة الأولى لإقلاعها من متن البارجة البريطانية، وفقاً لتصريحات وزير الدفاع البريطاني بن والاس.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تمتلك أسطولاً سرياً ومتطوراً للغاية من سفن وغواصات تخص البحث والإنقاذ، لعل أبرزهم غواصة "لوشاريك" العاملة بالطاقة النووية والمدارة من طرف المخابرات العسكرية الروسية، بالإضافة إلى المركبات غير المأهولة من طراز "بيستر" التي طورتها روسيا في السنوات الماضية من أجل أعمال البحث والإنقاذ في قاع البحار والمحيطات.