[ تركيا تجاوزت مقاربتها عبر القوة الناعمة لتصبح فاعلا مغيرا لقواعد اللعبة في السياسة الأفريقية- الأناضول ]
نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا أشار فيه إلى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى البلدان الأفريقية، بهدف ترسيخ العلاقات معها عبر سلسلة من المبيعات للطائرات المسيرة التركية.
وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن تركيا قد تجاوزت مقاربتها عبر القوة الناعمة لتصبح فاعلا مغيرا لقواعد اللعبة في السياسة الأفريقية، من خلال سلسلة من مبيعات الطائرات المسيرة لبلدان أفريقية.
ولفت إلى أن المسيرات التركية في السنوات الأخيرة اكتسبت شعبية في الأسواق العالمية، لدرجة جذبت البلدان الغربية مثل أوكرانيا وبولندا وحتى بريطانيا، كما أنها وصلت إلى الشواطئ الأفريقية في دول مثل تونس والمغرب، فيما يضع جيش بولندا عينه عليها، إلى جانب إثيوبيا ونيجيريا.
وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":
بالكاد تطرقت المنصات الإخبارية التركية للزيارة التي قام بها هذا الأسبوع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أفريقيا وتخللتها على مدى أربعة أيام وقفات في كل من نيجيريا وأنغولا وتوغو.
بدلاً من ذلك أطلقت المنصات الإعلامية المملوكة للدولة في تركيا ما يشبه حملة العلاقات العامة، للتأكيد على الجهود الإنسانية التي تبذلها البلاد وعلى مقاربتها الخالية من الاستعمار في تعاملها مع القارة الأفريقية، مرددة التصريحات التي صدرت عن أردوغان في العاصمة الأنغولية لواندا يوم الاثنين.
وكان أردوغان قد قال للرئيس الأنغولي جوآو لورنكو: "بالنسبة لتركيا فإننا نرفض المقاربات الإستشراقية المتمركزة في الغرب تجاه القارة الأفريقية. بل نعانق شعوب القارة الأفريقية دون تمييز".
ليس جديداً على تركيا مغازلتها للقارة الأفريقية، فبفضل قربها الجغرافي وضخامة قاعدتها الاستهلاكية وغزارة مواردها الطبيعية، تمنح بلدان القارة تركيا فرصة لتحقيق غاياتها المحلية والإقليمية على حد سواء.
على مدى العقدين الماضيين، عملت تركيا على توسيع بعثاتها الدبلوماسية، وتعزيز حجم تجارتها وزيادة جهودها الإنسانية في البلدان الأفريقية.
والآن، من خلال سلسلة من مبيعات الطائرات المسيرة التي تنشر الطائرات المسيرة التركية في أرجاء أفريقيا وعبر التدخلات الأخيرة في البلدان الأفريقية، يقول بعض المحللين إن تركيا قد تكون تجاوزت مقاربتها عبر الفوة الناعمة لتصبح فاعلاً مغيراً لقواعد اللعبة في السياسة الأفريقية.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال إبراهيم بشير أبدولايا، الباحث المتخصص في الشؤون التركية في جامعة بيروت بألمانيا: "من خلال دورها في الصومال وغرب أفريقيا ومؤخراً مشاركتها العسكرية في ليبيا يتبين بوضوح أن تركيا ترغب في توسيع نفوذها عبر القارة الأفريقية."
انتشار الطائرات المسيرة التركية
اكتسبت الطائرات المسيرة التركية في السنوات الأخيرة شعبية في الأسواق العالمية، لدرجة أنها جذبت البلدان الغربية مثل أوكرانيا وبولندا ويقال حتى بريطانيا.
كما انتشرت لتصل إلى الشواطئ الأفريقية. ففي أواخر شهر سبتمبر (أيلول) وصلت أول دفعة من الطائرات المسيرة العسكرية التركية إلى تونس على الرغم من التوترات في العلاقات الثنائية منذ أن أحكم الرئيس قيس سعيد قبضته على السلطة في البلاد في شهر يوليو (تموز).
ثم جاء المغرب من بعدها، حيث وسع من ترسانته العسكرية من خلال الحصول على الطائرات المسيرة التركية. جاءت صفقة المبيعات هذه على أثر التوترات التي احتدمت بين الجزائر والمغرب – وعلى الرغم مما يبدو من علاقات طيبة بين تركيا والجزائر.
في وقت مبكر من هذا الشهر، ذكرت نشرة "المخابرات الأفريقية" أن جيش رواندا يضع عينه على الطائرات المسيرة التركية للاستخدام في عملياته داخل موزمبيق. على الرغم من عدم صدور تعليق عن أي من الجانبين حول مبيعات الطائرات المسيرة إلا أن تركيا كانت قد قامت فعلاً بتطوير علاقاتها مع البلد من خلال بناء أضخم ستاد رياضي في رواندا داخل عاصمتها كيغالي.
والبلد الآخر الذي ينظر في أمر الطائرات المسيرة التركية هو إثيوبيا. بينما أبقيت التفاصيل طي الكتمان نتيجة للشقاق القائم بين أديس أبابا والقاهرة بخصوص مشروع سد النهضة العظيم في إثيوبيا إلا أن وكالة رويترز نشرت تقريراً الأسبوع الماضي يفيد بأن إثيوبيا وتركيا توصلتا إلى اتفاق على البيع.
ومن خلال هذه الصفقة تكون تركيا قد أضافت استثماراً آخر إلى ملف علاقاتها مع إثيوبيا، والذي يشتمل على مصانع للنسيج وخط للسكة الحديد والعديد من شركات البنية التحتية، الأمر الذي تغدو معه تركيا ثاني أكبر مستثمر أجنبي في البلد بعد الصين.
وأخيراً أعربت نيجيريا عن الاهتمام بالطائرات المسيرة التركية، حيث قال حاكم ولاية زمفرا بيلو محمد بأن الطائرات من شأنها أن تساعد الجيش النيجيري في مكافحة الجريمة المنظمة.
اهتمام تركيا بأفريقيا
تعود جهود تركيا الرامية إلى توسيع نفوذها في أفريقيا إلى عام 2005، الذي أعلنته الحكومة التركية "عام أفريقيا"، والذي شهد انطلاق البعثات الدبلوماسية والصفقات التجارية ورحلات الطيران.
على مدى الأعوام التسعة عشر الماضية سافر أردوغان إلى ما يقرب من ثلاثين بلداً أفريقياً، ففاق عدد زياراته بذلك عدد زيارات أي زعيم آخر من خارج القارة الأفريقية. في هذه الأثناء زادت تركيا عدد بعثاتها الدبلوماسية في القارة من 12 في عام 2002 إلى 43 في عام 2021، بينما تسير الخطوط الجوية التركية رحلات إلى ستين وجهة في تسعة وثلاثين بلداً مختلفاً داخل القارة الأفريقية، مما أهل إسطنبول لتكون مركزاً رئيسياً للترانزيت بين أفريقيا وبقية العالم.
والأكثر من ذلك أن قيمة التبادل التجاري بين الجانبين ارتفعت إلى 25 مليار دولار في العام الماضي، علماً بأن الرقم لم يكن يتجاوز 4.3 مليارات دولار عندما وصل أردوغان إلى السلطة في عام 2003.
كما لم تفتأ تركيا تستخدم مؤسساتها التي تديرها الدولة لتقديم المساعدات الإنسانية والتعليمية. فعلى سبيل المثال، منحت الوكالة الحكومية التركية التي تعنى أساساً بمساعدة الأتراك الذين يعيشون في الخارج ما يقرب من ستة آلاف طالب أفريقي منحاً دراسية في الجامعات التركية خلال العقد المنصرم.
يقول الخبراء إن تركيز تركيا على أفريقيا يتعلق بتحقيق النجاح الاقتصادي.
يقول أبدولايا: "ما في باطن الأرض الأفريقية من ثروات هائلة وما تتمتع به القارة من مستقبل اقتصادي مبشر وسوق يربو عدد المستهلكين فيه عن المليار هو ما يجذب تركيا." وأضاف أن ثمة فرصا كبيرة تنتظر بشكل خاص الشركات التركية المتوسطة والكبيرة.
أما إمره جاليشكان، الزميل في مركز السياسة الخارجية في أنقرة، فيقول إن تركيا استثمرت على الأغلب في شركات متوسطة الحجم بدلاً من شركات كبرى ذات أحجام تجارية ضخمة.
وقال: "ما الازدهار في التجارة التركية الأفريقية سوى سراب."
ولكنه قال إن مبيعات قطاع الصناعات الحربية يمكن أن يشكل ازدهاراً حقيقياً للاستثمارات التركية في أفريقيا لأن ذلك النوع من التجارة يتطلب "تبادل المعرفة ونقل التكنولوجيا والتعاون الأعمق."
استراتيجية أفريقية جديدة؟
مع الاستثمارات المستمرة في أفريقيا، وبشكل خاص مبيعات طائراتها المسيرة، والتي غيرت ميزان القوة لصالح من يشترونها، يتساءل المراقبون ما إذا كانت تركيا الآن تنافس القوى الدولية مثل فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين على النفوذ.
بدأ يبرز هذا التساؤل منذ أن مكنت الطائرات المسيرة التركية الحكومة الليبية المعترف بها دولياً من وقف زحف الجنرال خليفة حفتر من الشرق باتجاه العاصمة طرابلس في العام الماضي.
وبنفس الشكل تمكن الجيش الأذربيجاني المدعوم بالطائرات المسيرة التركية من إنقاذ أراضيه المحتلة من أرمينيا في هذا العام، أثناء الحرب التي نشبت حول إقليم ناغورنو كاراباخ. وكما أشار العديد من المحللين، فالطائرات المسيرة التركية كانت هي التي ساعدت على تغيير مسار الحرب.
يقول أبدولايا إن نجاح تركيا في ليبيا كشف عن قدرة البلد على "مواجهة خصومها وترسيخ نفوذها الاقتصادي والسياسي داخل بعض البلدان الأفريقية."
يوافقه في ذلك جاليشكان الذي يعتبر ليبيا نقطة تحول بدأت تركيا بعدها بالبروز كقوة عسكرية بدلاً من مجرد بلد يقدم المساعدات الإنسانية في أفريقيا.
ويقول: "لدى تركيا الآن رؤية. تريد أنقرة أن تطور علاقاتها مع البلدان المجاورة لليبيا وإقامة قواعد عسكرية فيها لتصبح قوة عسكرية في شمال القارة."
ولكنه يعتقد أن تركيا ليست مهتمة بالاحتفاظ بقوة عسكرية خارج الدائرة الليبية بسبب التكلفة المالية الباهظة التي قد تتكبدها نتيجة لذلك. ويضيف: "على سبيل المثال، تبيع الصين السلاح للبلدان الأفريقية ولكنها أيضاً تمنحها القروض. ليس بإمكان تركيا القيام بذلك بسبب تراجع اقتصادها".
يقول فولكان إيبيك، الأستاذ المساعد في جامعة يديتيبه إنه يعتقد بأن أفريقيا هي عبارة عن "مجال لإعادة التأهيل" بالنسبة للسياسة الخارجية التركية، والتي كانت قد وصلت إلى طريق مسدود بسبب التطورات في البلدان المجاورة، وبشكل أساسي سوريا.
ويضيف إيبيك أن تركيا لديها اليد العليا في مواجهة القوى الأوروبية داخل القارة لأنها لا تحمل إرثاً استعمارياً. ويقول: "لم يكن لتركيا يوماً سياسة في أفريقيا تقول افعل ما أريد أو نفذ ما أقول."
ولكن على الرغم من هذه الميزة إلا أنه لا يعتقد، كما يقول، أن تركيا لديها استراتيجية أكبر في أفريقيا تتجاوز الاتفاقات التجارية الثنائية.
في كل الأحوال، يحرص أردوغان على ترسيخ علاقة تركيا بالبلدان الأفريقية. كانت محطته الأخيرة يوم الأربعاء في نيجيريا الغنية بالنفط حيث وقع سبع اتفاقيات مع نظيره محمد بخاري لتعزيز التجارة الثنائية والاستثمار بما تتجاوز قيمته 2 مليار دولار أمريكي.