بينما يحيي الأتراك الذكرى الخامسة للانقلاب الفاشل الذي وقع منتصف يوليو/تموز 2016؛ تواصل حكومتهم ملاحقة ومحاكمة من تتهمهم بالتورط في المحاولة الانقلابية.
وعلى مدار 5 أعوام، لاحقت السلطات التركية -بلا هوادة- أنصار أعضاء منظمة فتح الله غولن المتهمة بالوقوف خلف الانقلاب. وأطلقت "حملة تطهير" واسعة، اعتقل على إثرها عشرات الآلاف من المشتبه بهم، وتم تسريح آخرين من وظائفهم.
وفي كلمة له -خلال مشاركته في فعاليات إحياء الذكرى الخامسة لشهداء محاولة الانقلاب بالبرلمان التركي في العاصمة أنقرة- قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن "15 يوليو/تموز هو انتصار للأمة والإرادة الوطنية ومن تطوعوا في سبيل الديمقراطية". مؤكدا أن الشعب التركي في تلك الليلة استطاع صد المحاولة الانقلابية من جهة، وإحباط "محاولة غزو" تهدف للاستيلاء على تركيا، من جهة أخرى.
الملاحقات مستمرة
ولا تزال موجات الاعتقالات مستمرة حتى الآن. ورغم تراجع وتيرتها بعد سنوات من محاولة الانقلاب؛ فإنه لا يبدو في الأفق أي مؤشر على إيقاف تلك العمليات، وسط تقارير شبه يومية عن مذكرات توقيف يتم إصدارها بحق متهمين داخل البلاد وخارجها.
وعشية إحياء ذكرى المحاولة الفاشلة، أصدر ممثلو الادعاء في تركيا -الثلاثاء الماضي- مذكرات باعتقال 40 شخصا، من بينهم عسكريون ومدنيون، لصلتهم المشتبه بها بمنظمة غولن، وفقا لتقارير إعلامية.
واستُكملت 289 محاكمة -على الأقل- تتعلق بمحاولة الانقلاب، بينما تتواصل 10 محاكمات أخرى. وأدانت المحاكم حتى الآن 4 آلاف و154 مشتبها، وأصدرت أحكاما بالسجن مدى الحياة على أكثر من 2500 منهم، وفق بيانات وزارة العدل.
وتضمنت اللوائح ضد المتهمين الرئيسين تُهما مثل "انتهاك الدستور" و"استخدام الإكراه والعنف في محاولة للإطاحة بالبرلمان والحكومة التركية" و"محاولة اغتيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان" و" التسبب في قتل 251 مواطنا" و"محاولة قتل 2735 مواطنا بينهم 177 عنصرا في قوى الأمن". كما لا تزال محاكمات أخرى جارية لعدد أكبر من المتهمين، ومنهم 520 شخصا تتم مقاضاتهم في قضية تتعلق بنشاطات الحرس الرئاسي.
وصدر حكم مدى الحياة على فتح الله غولن المقيم في منفاه بالولايات المتحدة، وكذلك عادل أوكسوز أستاذ الشريعة الذي تعتبره أنقرة قائد عمليات الانقلابيين، وعلى رجل الأعمال كمال بطماز المتهم بمساعدة أوكسوز.
ملاحقة الفارين للخارج
ونفذت الاستخبارات التركية في السنوات الماضية عدة عمليات لملاحقة المشتبه بتورطهم بالمحاولة الانقلابية، والهاربين خارج تركيا.
وذكرت وكالة أنباء الأناضول -بمنتصف شهر أبريل/نيسان الماضي- أن أجهزة الاستخبارات التركية أعادت إلى تركيا اثنين من أنصار غولن المفترضين، بعد توقيفهما في أوزبكستان.
وصرح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار -قبل يومين لصحفيين في أنقرة- أن معركة الحكومة ضد العناصر المتبقية من حركة غولن ستتواصل. وكشف أكار عن إبعاد 21 ألفا و194 شخصا من القوات المسلحة منذ الانقلاب العسكري، وفق ما نقلت عنه وكالة الأناضول.
وفي ختام محاكمة كبيرة عُقدت بأنقرة العام 2019، أصدر القضاء التركي أحكاما السجن مدى الحياة على 475 من العسكريين المتهمين بالتورط في الانقلاب الفاشل، بينهم 26 جنرالا كبيرا سابقا.
وبحسب لائحة الاتهام، قاد المتهمون محاولة الانقلاب، وأعطوا أوامر من قاعدة أكينجي بقصف مبان عامة، وهم أساسا متهمون بالقتل وقلب النظام الدستوري. وهذه هي المحاكمة الرئيسية لمحاولة الانقلاب، وتركزت على الوقائع التي جرت مساء 15 يوليو/تموز 2016 في قاعدة أكينجي الجوية بأنقرة، والتي اعتبرت مقر قيادة العسكريين الانقلابيين.
وقد تم احتجاز رئيس الأركان ووزير الدفاع التركي الحالي خلوصي أكار وضباط آخرين رفيعي المستوى في هذه القاعدة، قبل إطلاق سراحهم صباح 16 يوليو/تموز، إثر فشل الانقلاب.
وليلة الانقلاب الفاشل، استهدفت قنابل ألقتها طائرات "إف-16" البرلمان التركي 3 مرات، وكذلك الطرق المحيطة بالقصر الرئاسي، ومقر القوات الخاصة وشرطة أنقرة. وأدى هذا القصف إلى سقوط 68 قتيلا وأكثر من 200 جريح في العاصمة التركية، وقُتل 9 مدنيين خلال محاولة مقاومة الانقلابيين عند مدخل قاعدة أكينجي.
السجن بدل الإعدام
وصدر حكم مدى الحياة على 26 جنرالا كبيرا من بينهم القائد السابق للقوات الجوية أكين أوزتورك وعلي يازجي المستشار العسكري السابق لأردوغان وليفنت توركان مساعد رئيس الأركان -آنذاك- خلوصي أكار الذي عُين وزيرا للدفاع في يوليو/تموز 2018.
وحلّت عقوبة السجن مدى الحياة "المشددة" التي تقضي بفرض ظروف احتجاز أكثر صرامة، محل عقوبة الإعدام التي ألغيت عام 2004 من التشريعات التركية.
وأسفرت محاولة الانقلاب -ليلة 15 إلى 16 يوليو/تموز 2016- عن مقتل 251 شخصا وأكثر من ألفي جريح، وفق الرئاسة التركية، عدا عن 24 قتيلا من مخططي الانقلاب.