تُسلّم إيران مقاليد رئاستها إلى إبراهيم رئيسي، رجل الدين القادم من مدينة مشهد والمتدرج في سلك القضاء حتى بلوغه قمته محاطا برعاية وثقة المرشدَين الإيرانيَّين، غير أن هذه المسيرة لم تسلم من الانتقادات الحقوقية التي عرضته لغضب واشنطن، ليصبح أول رئيس إيراني مشمولا بالعقوبات الأميركية.
رئيسي -الذي بدأ دراسته في الحوزات العلمية بمشهد وأتمها في قم- حصل على شهادة الدكتوراه في الفقه والحقوق، لينطلق منها في أروقة القضاء، محاطا بعناية التيار المحافظ وزعمائه.
فقد عُين رئيسي نائبا عاما لمدينة كرج (غربي طهران) في عام 1980، ثم أصبح المدعي العام فيها بالعام ذاته، وكانت قفزته الكبرى بعد 5 سنوات حين تولى منصب نائب المدعي العام في العاصمة طهران، ليحظى بعدها بثقة مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني؛ فكلفه بالبت في المشاكل القضائية في لرستان وكرمانشاه وسمنان، بالإضافة إلى العديد من الملفات القضائية.
وبعد أن نال مزيدا من ثقة المحافظين، عين رئيسي في منصب المدعي العام بطهران بين عامي 1989 و1994، ثم أسندت إليه مهمة رئيس دائرة التفتيش العامة في إيران حتى 2004؛ ليشغل بعدها منصب المساعد الأول لرئيس السلطة القضائية، ثم يعيَّن مدعيا عاما بإيران عام 2014.
وفي عام 2016 عيّنه مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي على رأس منظمة "آستان قدس رضوي"، وهي مؤسسة دينية تدير مليارات الدولارات وتملك مناجم ومصانع نسيج ومصنع أدوية إلى جانب شركات نفط وغاز كبرى، كما تدير تبرعات لأضرحة مقدسة في مدينة مشهد.
وإضافة إلى ذلك، عينه خامنئي سادنا لضريح الإمام الرضا الذي يزوره سنويا الملايين من الشيعة.
ويرى بعض الساسة الإيرانيين أنه يجري إعداد رئيسي -الذي أتم عامه الـ61 قبل أيام- لخلافة خامنئي الذي يبلغ من العمر 83 عاما، ويشغل منصب المرشد منذ 1989، ويضيف هؤلاء الساسة أن منصب الرئاسة خطوة أولى لهذا الإعداد، وقالت النائبة الإصلاحية السابقة جميلة كاديفار -لوكالة رويترز- إن "رئيسي موجود في دائرة ثقة خامنئي، وكان أحد طلابه، وأفكاره قريبة للغاية من أفكار الزعيم الأعلى".
توجهاته
ورغم كونه من أصحاب المراتب الوسطى في ترتيب رجال الدين الشيعة بإيران؛ فإنه سيكون الأكثر تعبيرا عنهم حال تسلمه منصب رئيس الجمهورية.
ولا تُعرَف عن رئيسي البراغماتية السياسية، فهو لا يعول كثيرا على الغرب لحل مشكلات البلاد السياسية والاقتصادية، وقال في تصريحات سابقة إن حسن روحاني -الرئيس المنتهية ولايته- عول كثيرا على التقارب مع "الأعداء"، ولم يفعل أي شيء للنهوض باقتصاد البلاد، مشددا على أن مشاكل إيران لا يمكن أن يحلها الأميركيون والغرب.
وإذا كان عمله في السلك القضائي قد نال إعجاب المؤسسة الدينية في البلاد إلا أنه وضعه في دائرة الاتهامات الغربية، فبعد تعيين خامنئي له رئيسا للسلطة القضائية في 2019، فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات بسبب ما تقول إنها انتهاكات لحقوق الإنسان تشمل إعدام معتقلين سياسيين في الثمانينيات وقمع اضطرابات في 2009، وهي أحداث لعب فيها دورا، وفق ما تقوله جماعات حقوقية.
ويقول معلقون إن سجل رئيسي -باعتباره "قاضيا من غلاة المحافظين" ومتهما بارتكاب انتهاكات- قد يثير قلق واشنطن والإيرانيين الليبراليين، لا سيما في ظل تركيز الرئيس الأميركي جو بايدن على حقوق الإنسان في مختلف أرجاء العالم.