قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الوقت قد حان لإنهاء أطول حرب خاضتها بلاده، معلنا بدء سحب القوات الأميركية من أفغانستان اعتبارا من الأول من مايو/أيار المقبل بشكل تدريجي على أن يكتمل الانسحاب قبل ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وكذلك أعلن حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) اليوم أن الحلفاء وافقوا على البدء بسحب قواتهم من أفغانستان بحلول الأول من مايو/أيار القادم.
وقال الرئيس الأميركي في خطاب متلفز اليوم الأربعاء "حان الوقت لإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة" و"إعادة القوات الأميركية إلى الوطن".
وتابع "الولايات المتحدة ستبدأ انسحابها النهائي.. في الأول من مايو/أيار هذا العام. لن ننفذ خروجا متعجلا. سنقوم بذلك بشكل مسؤول وآمن وبالتنسيق الكامل مع حلفائنا وشركائنا الذين لديهم الآن قوات أكثر منا في أفغانستان".
وقال بايدن في حيثيات قراره إن الإبقاء على القوات الأميركية في مكان واحد أمرٌ غير منطقي في ظل انتشار التهديدات حول العالم.
وأشار إلى أنه رابع رئيس أميركي يشهد وجود القوات الأميركية في أفغانستان، وقال إنه لن ينقل هذه المسؤولية إلى رئيس خامس، كما ذكر أن الجدل بأن الوقت لم يحن بعد وقت انسحابها من أفغانستان هو "ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم".
ولفت إلى أنه تشاور مع الرئيس الأسبق جورج بوش الابن بشأن هذا القرار. وكان بوش قد شن هذه الحرب في أفغانستان عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة.
أطول حرب أميركية
وفي سنواتها الـ20 تعد هذه أطول حروب الولايات المتحدة التي لم يبق لها في أفغانستان في الوقت الحالي سوى حوالي 2500 جندي.
وأكد بايدن في خطابه أن واشنطن ستدعم محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، لكنه حذر الحركة في الوقت نفسه من مهاجمة القوات الأميركية أثناء انسحابها، وتوعدها بالرد إذا أقدمت على ذلك.
وكان المقرر بموجب اتفاق الدوحة الذي وقعته الإدارة الأميركية السابقة مع حركة طالبان في فبراير/شباط 2020 أن تكمل القوات الأميركية انسحابها من أفغانستان بحلول الأول من مايو/أيار المقبل، غير أن إدارة بايدن عمدت إلى مراجعة الموقف قبل الانسحاب.
وأشار مراسل الجزيرة فادي منصور إلى أن خطة الانسحاب التي أعلنها بايدن تمثل عمليا تخليا عما اشترطته إدارته بادئ الأمر من مراقبة التزام طالبان بخفض مستوى العنف على الأرض قبل سحب القوات.
انسحاب مشترك
في غضون ذلك، عقد الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ مؤتمرا صحفيا في بروكسل مع وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين لإعلان قرار الانسحاب المشترك.
وقال ستولتنبرغ إن الحلف سيسحب قواته بدءا من مايو/أيار المقبل، وأشار إلى أن الحلف دخل أفغانستان لدعم الولايات المتحدة بعد ما تعرضت له من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ورأى أنهم منعوا أفغانستان من أن تصبح "ملاذا آمنا للإرهابيين" بعد تلك الهجمات.
ووجه تحذيرا إلى حركة طالبان قائلا إنها "إذا اعتدت على قواتنا خلال الانسحاب فسنرد بالقوة المناسبة".
وقالت الدول الـ30 الأعضاء في الحلف في بيان إن "الحلفاء قرروا أننا سنبدأ في سحب قوات مهمة الدعم الحازم بحلول الأول من مايو/أيار القادم.. نعتزم الانتهاء من سحب جميع القوات الأميركية وتلك التابعة لمهمة الدعم الحازم خلال بضعة أشهر".
من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إنه يدعم بشكل كامل قرار الرئيس بايدن بسحب القوات من أفغانستان، مشيرا إلى أن قوات الأمن الأفغانية باتت أكثر قدرة على حماية البلاد، وأن واشنطن ستواصل دعمها.
أما وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن فقال إنه ليس من مصلحة واشنطن أو حلف الناتو بقاء قواتهما في أفغانستان إلى ما لا نهاية.
وفي السياق نفسه، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي أجرى اليوم اتصالا هاتفيا بالرئيس الأفغاني أشرف غني، وعبّر كلاهما عن الالتزام المستمر بشراكة ثنائية قوية بعد انسحاب القوات الأميركية.
وأضاف البيت الأبيض في بيان "أكد بايدن أن الولايات المتحدة ستواصل دعم الشعب الأفغاني بما يشمل مواصلة التنمية والمساعدات الإنسانية والأمنية".
وكان الرئيس الأفغاني قال عبر تويتر عقب المحادثة الهاتفية إنه يحترم قرار الانسحاب الأميركية، وإن قوات الأمن الأفغانية "قادرة تماما على الدفاع عن شعبها وبلادها، وهو ما تقوم به منذ البداية".
مخاوف الحرب الأهلية
وتعقيبا على هذه التطورات، رأى الصحفي في شبكة الجزيرة تيسير علوني، المتخصص في الشأن الأفغاني، أن ما أعلنته الولايات المتحدة والناتو اليوم هو اعتراف بما تردد خلال سنوات بشأن عبثية هذه الحرب وعدم وجود طائل منها، وعدم إمكان بقاء تلك القوات هناك للأبد.
وأعرب علوني عن مخاوفه من اندلاع حرب أهلية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية، مذكرا بتجربة الغزو السوفياتي لأفغانستان وما جرى من اقتتال داخلي بعد انسحاب القوات السوفياتية.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد اليوم إن الحركة تسعى إلى انسحاب القوات الأجنبية من البلاد بموجب اتفاق الدوحة، وبعد الانسحاب يمكن حل القضايا الخلافية.
وحذر المتحدث في تغريدة على تويتر من أنه إذا تم انتهاك الاتفاق، وفشلت القوات الأجنبية في الخروج من أفغانستان في الموعد المحدد، "فستتفاقم عندها المشاكل، وسيتحمل من لم يلتزم بالاتفاق مسؤولية الفشل".
من جهة أخرى، أعربت روسيا عن قلقها لتأخير الانسحاب الأميركي، إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في بيان إن "هذا الأمر يثير القلق من تصعيد محتمل مقبل للنزاع المسلح في أفغانستان، قد يؤدي بدوره إلى تقويض الجهود لإطلاق مفاوضات بين الأطراف الأفغانية".