الهجوم الذي استهدف منشأة نطنز النووية في أصفهان وقع بعد يوم فقط من تشغيل أجهزة متطورة جديدة للطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى مما يسمح به الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الكبرى عام 2015.
اتهمت إيران إسرائيل رسميا بتنفيذ الهجوم على منشأة نطنز النووية، وتعهدت بالانتقام، وفي الوقت الذي أكدت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أن تخصيب اليورانيوم بالمنشأة لم يتأثر، نفى مسؤول أميركي ضلوع واشنطن بالعملية.
فقد نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قوله اليوم الاثنين -خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي- إن إسرائيل مسؤولة عما وصفه بالعمل التخريبي الذي وقع أمس في منشأة نطنز النووية، وإن بلاده ستنتقم.
وقال ظريف "الصهاينة يريدون الانتقام من الشعب الإيراني للنجاحات التي حققها في مسار رفع الحظر الظالم. لكننا لن نسمح بذلك، وسننتقم من الصهاينة على ممارساتهم".
وأكد أن إيران لن تسمح لإسرائيل بالتأثير على المفاوضات النووية، وأن ما حدث في نطنز لن يضعف قدرات بلاده التفاوضية، مشيرا إلى أنها ستجهز المنشأة النووية المستهدفة بأحدث الأجهزة.
رد بالزمان والمكان المناسبين
من جهتها، قالت الخارجية الإيرانية اليوم إن ما حدث في نطنز كان إرهابا نوويا على أراضي البلاد، وإن طهران تحتفظ بحق الرد في إطار القوانين الدولية.
وأضافت الوزارة أن إيران سترد على إسرائيل في الزمان والمكان المناسبين، معتبرة أن حادث نطنز يهدف إلى التشويش على مسار مفاوضات فيينا، في إشارة إلى المحادثات الجارية سعيا لإحياء الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى الكبرى عام 2015.
وتابعت أنه إذا كان الهدف من استهداف منشأة نطنز، التي تقع تحت الأرض على بعد 400 كيلومتر جنوب طهران، هو دفع الصناعات النووية الإيرانية إلى الوراء، فإن الهجوم لم يكن ناجحا، مشيرة إلى أن أجهزة الطرد المركزي التي تعرضت لأضرار جراء الهجوم كانت من نوع "آي آر واحد" (IR-1).
وقد أكد المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده أن الحادث لم يخلف ضحايا بشرية أو بيئية، لكنه أشار إلى أنه كان من الممكن أن يؤدي إلى ما وصفها بكارثة وجريمة ضد البشرية.
عمليات التخصيب لم تتأثر
وبينما تقارير إسرائيلية تتحدث عن حدوث أضرار كبيرة في نطنز، قالت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية اليوم إن "الهجوم الإرهابي" الذي تعرضت له المنشأة لم يؤثر على عمليات تخصيب اليورانيوم الجارية فيها.
وأضافت أنه سيتم قريبا جعل منشأة نطنز تعمل بقدرة أكبر بزيادة تتجاوز 50%، مؤكدة أنه سيتم بناء عدة مواقع متطورة مخصصة لتخصيب اليورانيوم في قلب الجبال المحصنة.
وتابعت أنه خلال أيام وجيزة سيتم استبدال أجهزة الطرد المركزي المتضررة من الهجوم بأخرى أكثر قدرة وتطورا.
وفي وقت سابق اليوم، قالت الهيئة إن برنامج طهران النووي أوسع وأقوى وأكثر رسوخا من أن يهزه ما جرى في منشأة نطنز.
وكان رئيسها، علي أكبر صالحي، وصف الهجوم بأنه "عمل إرهابي نووي" وهدد بأن بلاده تحتفظ بحق الرد على هذه العملية ومنفذيها ومن يقف خلفها، مؤكدا أن طهران ستواصل عملها لتوسيع صناعتها النووية، ورفع ما وصفها بالعقوبات الظالمة عنها.
تحديد هوية مشتبه به
في الأثناء، نقل موقع "نور نيوز" الإيراني اليوم عن مصادر في الاستخبارات أنه يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإلقاء القبض على الشخص الذي تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في أحد المباني في منشأة نطنز، والذي قالت المصادر إنه تم تحديد هويته، دون تقديم تفاصيل أخرى.
يذكر أن الهجوم وقع بعد يوم فقط من إطلاق أجهزة متطورة جديدة للطرد المركزي بالمنشأة لتخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى مما يسمح به الاتفاق النووي.
وكان مساعد وزير الخارجية أعلن بعد ساعات من الحادث أن بلاده ستمضي في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%.
الصراع مع إيران
وفي تصريحات بعد الهجوم الذي وقع فجر أمس الأحد على منشأة نطنز، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية إن الصراع مع إيران وتوابعها ومشروعها النووي مهمة ضخمة جدا.
وأضاف نتنياهو أن الوضع القائم اليوم ليس بالضرورة هو الوضع الذي سيكون قائما غدا، على حد تعبيره.
وأشار إلى أنه من الصعب للغاية تفسير ما حققته إسرائيل بعد أن تحولت من حالة العجز إلى قوة إقليمية وعالمية، على حد وصفه.
وقال مدير مكتب الجزيرة في فلسطين، وليد العمري، إن العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية والمصادر تردد أن رئيس الوزراء يقف وراء التصعيد مع إيران، وإن الهدف منه استفزاز الأخيرة وجرها إلى القيام بعمل عسكري تضطر معه الولايات المتحدة إلى التدخل عسكريا ضد إيران، وبالتالي القضاء نهائيا على المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني.
وكان قد نقل أمس -عن مراسل قناة "13 الإسرائيلية" للشؤون العسكرية والأمنية- أنه ربما تكون هناك قنبلة زرعت داخل منشأة نطنز أدت إلى تدميرها، أو إلحاق أضرار كبيرة بها.
في السياق، نقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية عن مصادر مخابراتية أن جهاز الموساد نفذ هجوما إلكترونيا على منشأة نطنز، وخلف أضرارا كبيرة، وذلك بعد أن أعلنت طهران عن وقوع خلل في شبكة توزيع الكهرباء بالمنشأة.
وذكرت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادرها أن التقديرات تشير إلى أن الأضرار، التي لحقت بمنشأة نطنز، كبيرة، ومست أجهزة الطرد المركزي، مشيرة إلى أن الضرر سيقوض قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم.
ردود دولية
وفي ردود الفعل الدولية، نقلت صحيفة واشنطن بوست (Washington Post) اليوم عن مسؤول أميركي قوله إنه ليس للولايات المتحدة أي دور في عملية منشأة نطنز.
وأضاف المسؤول الأميركي أن واشنطن اطلعت على التقارير الخاصة بالعملية، لكنها لم تضطلع بأي دور فيها.
وعلى إثر هذه العملية، أعلن الاتحاد الأوروبي اليوم رفضه أي محاولات لتقويض المحادثات بشأن برنامج إيران النووي.
وقال الاتحاد إن مسألة الاتفاق النووي الإيراني يجب أن تحل عبر المفاوضات وليس العمليات الهجومية، وأشار إلى أن حادث منشأة نطنز قد يكون عملا تخريبيا، مطالبا بتوضيح ملابساته بشكل معمق وعاجل.
وفي موسكو، قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي اليوم إنه إذا ثبت تورط إسرائيل في هجوم نطنز فينبغي للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تجري تحقيقا دوليا.
من جهته، دعا سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إلى عدم تهويل الموقف حيال المحادثات بشأن خطة العمل الشاملة للملف الإيراني، بما في ذلك رفع العقوبات الأميركية.
وفي تصريحات صحفية، قال ريابكوف إن مشكلة العقوبات، والقضايا المتعلقة بعودة إيران للوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، قائمة ضمن العمل الجاري، مضيفا أنه لا داعي لإضفاء طابع درامي على ما جرى.
وتابع أن هذه القضايا كانت متوقعة ونوقشت على أسس مختلفة في مرحلة التحضير لبدء الاجتماع في فيينا، قائلا إنه لا يوجد سبب للقلق، ولا يوجد طريق مسدود أو صعوبات وإنما مجرد مواقف.
كما أوضح المسؤول الروسي أن الأطراف تعمل على وضع نهجها لإيجاد الحلول وتطوير القواسم المشتركة.
من جانبه، وصف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس اليوم التطورات الأخيرة في إيران بغير الإيجابية للمحادثات النووية الرامية لإحياء الاتفاق النووي.