دان مجلس الأمن الدولي "بشدّة" مقتل مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في ميانمار (بورما سابقا)، وذلك في بيان صدر الخميس بإجماع أعضائه بعدما خفّفت الصين كثيرا من نبرة النص ومضمونه خلال مفاوضات شاقّة استمرت يومين.
وفي البيان الذي صاغته بريطانيا، التي كانت تحتل ميانمار سابقا، قال أعضاء المجلس الـ15 إنهم "يعربون عن قلقهم العميق إزاء التدهور السريع للوضع، ويدينون بشدة استخدام العنف ضد متظاهرين سلميين ومقتل مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال".
وكانت مسودات سابقة من هذا البيان تضمنت عبارة تقول إن مجلس الأمن "مستعد للنظر في خطوات جديدة"، في تلويح بإمكانية فرض عقوبات ضد العسكر.
وسيطر العسكر على السلطة في ميانمار قبل شهرين في انقلاب يرفضه قسم كبير من السكان الذين يحتجون في مظاهرات سلمية يقمعها الجيش بالحديد والنار، مما أدى إلى مقتل 535 مدنيا على الأقل.
وأفاد دبلوماسيون بأن الصين، التي تعارض بشدة فرض أي عقوبات على الانقلابيين، أحبطت مرارا محاولات قامت بها دول غربية لتمرير النص وذلك بسبب تضمّنه، من بين أمور أخرى، هذه العبارة.
وبالفعل فقد خلا البيان الصادر عن مجلس الأمن من هذه العبارة ومن أي تلويح بعقوبات، إذ اكتفى مجلس الأمن في بيانه بالقول إنه "سيبقي الحالة قيد الاستعراض الدقيق".
ضغوط صينية روسية
كما فرضت بكين في ختام المفاوضات بشأن البيان استبدال عبارة "قتل مئات المدنيين" مكان "مقتل مئات المدنيين".
ووفقا للدبلوماسيين أنفسهم فإن روسيا أعاقت بدورها مرات عدة صدور النص لأنها أرادت تضمينه عبارة تدين مقتل أفراد من قوات الأمن في المظاهرات، وهو ما لم تحصل عليه في نهاية المطاف لأن البيان الذي صدر خلا من إشارة صريحة إلى ذلك.
وقال أحد الدبلوماسيين لوكالة الصحافة الفرنسية مشترطا عدم نشر اسمه، إن نجاح مجلس الأمن الدولي في التكلم بـ"صوت واحد" يبعث "إشارة مهمة جدا" إلى الجيش الميانماري، معترفا ضمنيا بأن الغربيين اضطروا لتقديم العديد من التنازلات إلى بكين لصدور البيان.
ومنذ انقلاب الأول من فبراير/شباط الماضي، لم يتمكّن مجلس الأمن من إصدار أي قرار بشأن ميانمار، وأفلح فقط في إصدار 3 بيانات، بما فيها ذلك الذي أصدره الخميس.
ولا يمكن لمجلس الأمن أن يُصدر أي بيان إلا بالإجماع، في حين أن قراراته تصدر بالأكثرية، لكن امتلاك الصين حق الفيتو كفيل بوأد أي مشروع قرار في المهد.
وترفض الصين، الداعمة الأولى لميانمار، الاعتراف بحصول انقلاب عسكري في ميانمار، وقد سعت في كلّ مرة حاول فيها مجلس الأمن إصدار بيان بشأن الوضع في جارتها الجنوبية إلى التخفيف من مضمونه.
وكانت مبعوثة الأمم المتحدة كريستين شرانر بورغنر حذّرت أمام مجلس الأمن الدولي الأربعاء من أن ميانمار تواجه خطرا "غير مسبوق" بالانجرار إلى "حرب أهلية"، مطالبة المجلس باستخدام "كل الوسائل" لتجنّب وقوع "كارثة" و"حمام دم" في هذا البلد.
تحذيرات
وأمس الخميس، حذرت المبعوثة الأممية الخاصة إلى ميانمار كريستين شرانر بورغنر أعضاء مجلس الأمن الدولي من حدوث كارثة بالمنطقة، وحذرت خلال جلسة بمجلس الأمن من أن ميانمار قد تنزلق إلى دولة فاشلة، ومن أن الروهينغا سيعانون أكثر من غيرهم.
وناشدت بورغنر أعضاء المجلس "النظر في جميع الأدوات المتاحة لاتخاذ إجراءات جماعية ضد الانقلاب، والقيام بما هو صواب، وأن يمنع حدوث كارثة متعددة الأبعاد في قلب آسيا".
وقدرت بورغنر أعداد من تم إلقاء القبض عليهم منذ انقلاب الجيش بميانمار بحوالي 2559، في حين وصل أعداد القتلى على يد قوات الجيش والشرطة إلى 521.
وتوقعت بورغنر ألا يتعامل الجيش مع وساطة المجتمع الدولي إلا عندما يشعر بقدرته على احتواء الموقف بالقمع، داعية إلى الاستجابة لنداء الأمين العام أنطونيو غوتيريش برد حازم وإجراءات يمكنها عكس مسار الأحداث.
دستور جديد
وأعلن مجلس اتحاد ميانمار -الذي يضم نوابا ومعارضين- إلغاء دستور عام 2008، والسعي لسن دستور جديد يتضمن الحقوق السياسية والمدنية لمختلف القوميات في البلاد، ورأى المجلس أن الدستور المُلغى يطيل ما وصفوه بحكم العسكر الذي ينتهك حقوق الإنسان.
يأتي هذا في وقت يستعد فيه معارضون آخرون لإعلان حكومة وحدة وطنية معارضة خلال الأيام القادمة، ردا على قمع السلطات العنيف للمظاهرات السلمية.