نشرت واشنطن بوست (Washington Post) قصة آشلي بابيت أول القتلى بمبنى الكونغرس يوم الأربعاء الماضي مسجلة زوايا من سيرة حياتها العاصفة التي انتهت على أعتاب الكابيتول بواشنطن.
السياسي الذي كانت تبجله قبل كل سياسي آخر خسر الانتخابات، وكانت مثقلة بالديون، وتم إغلاق ولاية كاليفورنيا مسقط رأسها مرة أخرى بسبب فيروس اعتقدت أنه خدعة. كانت آشلي (35 عاما) أول حالة وفاة يتم الإبلاغ عنها في 6 يناير/كانون الثاني، عندما اجتاح مثيري الشغب بتحريض من الرئيس دونالد ترامب مقر الكونغرس.
قالت، مشيرة إلى مقطع فيديو بثته على فيسبوك في وقت مبكر من بعد ظهر الأربعاء "كان من الرائع رؤية الرئيس يتحدث. نحن نسير الآن على الطريق الأول لمبنى الكونغرس. أكثر من 3 ملايين شخص".
لم يكن هناك حشد من 3 ملايين، مجرد غوغاء بلا قانون وبلا أقنعة ضد الفيروس، بلغ عددهم بضعة آلاف. كانت مهمة آشلي، التي أعلنت عنها مرارا وتكرارا على وسائل التواصل الاجتماعي، هي استعادة الديمقراطية الأميركية، لكنها كانت على وشك المشاركة في أعمال شغب ستسجل في التاريخ كواحدة من أشد الهجمات خطورة على تلك الديمقراطية.
وجدت هدفا لحياتها
بعد مهنة عسكرية طويلة في القوات الجوية ولكن غير مميزة وسنوات من المعاناة الشخصية، اعتقدت آشلي، من جنوب كاليفورنيا وكانت تدعم باراك أوباما ذات مرة، أنها وجدت هدفا لحياتها. وفي غضون ساعات، ستضع هذه القضية نهاية عنيفة لحياتها.
وفي الأيام القادمة سيكون هناك آخرون، بريان دي سيكنيك (42 عاما)، ضابط شرطة في مبنى الكونغرس توفي بعد إصابته أثناء محاولته صد الغوغاء، روزان بويلاند، كيفن د. جريسون، وبنجامين فيليبس، الذين ماتوا في حالات الطوارئ الطبية خلال الفوضى.
قُتلت آشلي برصاص الشرطة أثناء محاولتها القفز عبر النافذة المكسورة لباب داخل مبنى الكونغرس، والذي سيصبح اسمه على الفور مرادفا للحركة المحمومة التي دفعت الآلاف من الأميركيين إلى تدنيس أحد أعمدة دولتهم.
في نظر رفاقها في الحركة كانت آشلي شهيدة، وبالعودة إلى كاليفورنيا لم يكن روجر ويتثوفيت، شقيق بابيت، يعرف حتى أنها حضرت الاحتجاج قبل أن يتصل به والدهما، بذهول، لإبلاغه بأخبار إطلاق النار، ووجد مقطع فيديو على الإنترنت. يتذكر ويتثوفيت "لم يكن هناك شك في أنها كانت أختي الجميلة".
إخلاص لجنون العظمة
كانت رحلة آشلي، التي أضاءتها من خلال نشاطها المكثف على وسائل التواصل الاجتماعي، وسجلات المحكمة والعسكرية، والمقابلات مع بعض الذين عرفوها، واحدة من رحلات الإخلاص والحماس لجنون العظمة الذي زاد فقط مع تضاؤل حظوظ ترامب.
اعتنقت بشغف نظرية مؤامرة (كيوآنون)، مقتنعة بأن ترامب كان مقدرا لهزيمة عصابة من المعتدين على الأطفال والديمقراطيين الذين يعبدون الشيطان. كانت تعتقد أن يوم الأربعاء سيكون "العاصفة"، عندما تقول أسطورة (كيوآنون) إن ترامب سوف يعتقل خصومه ويقتلهم.
قبل وقت طويل من اعتناقها لتلك الأفكار، كانت آشلي على طريق صخري. كانت متمردة لكنها مخلصة لبلدها، وفي الغالب غير قادرة على الانسجام مع من شاركوها. مؤمنة بالمشاريع الحرة، كافحت في محاولاتها لإدارة شركة صغيرة لخدمات المسابح خارج سان دييغو.
خدمت أكثر من عقد في القوات المسلحة لكنها كانت غاضبة من التسلسل الهرمي العسكري. 6 من تلك السنوات أمضتها في وحدة الحرس الوطني الجوي التي تتمثل مهمتها في الدفاع عن منطقة واشنطن والرد على الاضطرابات المدنية.
لن يوقفنا شيء
مثل كثيرين آخرين، اعتقدت أن السادس من يناير/كانون الثاني لن يكون يوم العار، بل سيكون نهاية لمشاكلها.
غردت في 5 يناير/كانون الثاني "لن يوقفنا شيء. يمكنهم المحاولة ولكن العاصفة هنا وهي تهبط على العاصمة في أقل من 24 ساعة…. من الظلام إلى النور"، وكتبت أيضا "غير خائفة على الإطلاق".
لقد سئمت من مسؤولها التنفيذي، كان ذلك في عام 2014، وكانت إلى جانب الكثير من وحدتها في الحرس الوطني الجوي، التي كانت متمركزة في قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات، تكرهه، وفقا لرقيب سابق في الوحدة تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لكن رغم سمعتها بأنها تتحدث بصراحة، فقد أبقت نفسها تحت المراقبة.
وقال طياران سابقان خدما معها إن مشاكل الانضباط والعصيان أعاقت حياتها المهنية، وإنه تم تخفيض رتبتها مرة واحدة على الأقل.
تركت آشلي الجيش في عام 2016 برتبة طيار كبير، وهي رتبة منخفضة نسبيا لشخص قضى أكثر من عقد في الزي العسكري.
ظل بعض الذين خدموا مع آشلي على اتصال معها، وتذكروا كيف دافعت بشدة عن الأشخاص الذين كانت تعتني بهم. وقال أحد زملائها الطيارين إنه في غضون سنوات قليلة من تركها للجيش "كان لديها هدف جديد، هدف منظمة كيوآنون".
اليوم ننقذ أميركا
في نهاية المطاف، شاركت آشلي أكثر من 8600 تغريدة، وقدمت وصفا حيًا لانحدارها في عالم من نظريات المؤامرة والوهم، لكن رسالتها الأولى كانت موجهة إلى ترامب، الرجل الذي تعتقد أنه كان مقدرا لإنقاذ بلدها.
كتبت في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016: "# حب"، بجانب اسم ترامب وفوق صورة لـ3 لافتات مثبتة على شجرة "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، و"هيلاري إلى السجن".
بعد أسبوع، في يوم الانتخابات، كتبت إلى ترامب مرة أخرى "اليوم ننقذ أميركا من الاستبداد والتواطؤ والفساد"، وعندما فاز بكت فرحا.
كانت تشاهد قناة "فوكس نيوز" بشغف، حيث أشادت بتاكر كارلسون والشخصيات الإعلامية اليمينية المتطرفة الأخرى على الشبكة وهي تسخر من الليبراليين.
وبصفتها عضو مسجل في الحزب الليبرتاري (حزب الأحرار) وهو حزب سياسي في الولايات المتحدة يروج للحريات المدنية وعدم تدخل الحكومة في الاقتصاد والحد من حجم ونطاق الحكومة، لم تكن دائما تحتقر الديمقراطيين، حيث أعلنت 3 مرات على الأقل في السنوات الأخيرة أنها صوتت لأوباما.
الهوس بالدعاية على الإنترنت
لكنها تحولت إلى ما وصفته بـ "الرجل الذي نحتاجه الآن ولسنوات قادمة"، دونالد ترامب. واشتد إخلاصها عندما أصبحت أكثر هوسا بالدعاية التي لا أساس لها على الإنترنت، كل ذلك أثناء انهيار حياتها المهنية.
وروجت لأكاذيب اليمين المتطرف بأن هيلاري كلينتون اختطفت الأطفال ووصفت اليسار بأنهم عبيد العصر الحديث. وبدت وكأنها تستخدم وسم "كيوآنون" لأول مرة أوائل العام الماضي، وهي تردد المصطلحات المشفرة التي روج لها أكثر متابعيها حماسة.
كتبت في 24 فبراير/شباط "الأفضل لم يأت بعد"، و"ما هو ظلام سيظهر".
قال شقيقها ويتثوفيت إنه لم يكن يعرف الكثير عن هذا الجانب من أخته. لقد فهم، كما يفهم ملايين الأشخاص الآن، أنها كانت امرأة قوية مكرسة بشدة لترامب، لكنها لم تفرض السياسة على ويتثوفيت الذي فضلت التحدث معه عن رياضة ركوب الأمواج أو الهوكي أو الكوميديا.
كانت عطوفة للغاية
قال ويتثوفيت لمراسل واشنطن بوست من خلال الرسائل النصية "كانت متحمسة نعم لكنها كانت أيضا عطوفة للغاية".
كانت بالنسبة له متفائلة ونادرا ما تظهر مشاكل عملها، وبدا أن غضبها اشتد وسط الوباء الذي أصرت على أنه مبالغ فيه.
وكتبت في يوليو/تموز الماضي "لقد تم خداعنا.. يجب أن تستيقظ الخراف".
لكن في الأسبوع الذي سبق رحلتها إلى واشنطن لحضور مظاهرة ترامب، تلاشى غضبها على الإنترنت، وحل محله بهجة وشعور جديد بالمهمة.
أعادت نشر تغريدات عشرات الشخصيات التي تروج لمطالب ترامب بأن يتجمع أنصاره لإلغاء الانتخابات، بمن فيهم مؤيد ترامب جاك بوسوبيك ونشطاء كيوآنون ووزير الخارجية مايك بومبيو ودونالد ترامب الابن.
"سأكون هناك غدا" كتبت في 4 يناير/كانون الثاني ردا على مؤيد آخر يتجه إلى العاصمة.
لم تكتب مرة أخرى
استقلت طائرة في سان دييغو في صباح اليوم التالي وجلست بجانب ويل كارليس، صحفي من "يو إس إيه توداي"، الذي صور لاحقا اللحظة التي سبقت اقتحام مثيري الشغب المؤيدين لترامب مبنى الكونغرس.
وصفها كارليس بأنها "اجتماعية وثرثارة" وقال إنهما تحدثا عن بلدة ساحلية في كاليفورنيا أحبها كلاهما.
في اليوم التالي، كان الجو ملبدا بالغيوم. كانت آشلي ترتدي سترة بقلنسوة وتضع حقيبة ظهر وتحمل العلم الأميركي على كتفيها، استمعت إلى الرئيس وهو يخبرها وكثيرين غيرهم أنه لا يمكن استعادة البلاد إلا بالقوة وليس الضعف، ثم توجهت إلى مبنى الكونغرس، وقالت في آخر فيديو لها على فيسبوك إنها محاطة بزملائها "الوطنيين".
قال زوجها لـ "شبكة فوكس" في سان دييغو "لقد أحبت بلدها، وكانت تفعل ما اعتقدت أنه صائب لدعم بلدها، والانضمام إلى الأشخاص ذوي التفكير المماثل الذين يحبون أيضا رئيسهم وبلدهم".
لم يمض وقت طويل على الثانية بعد الظهر، عندما أرسل إليها زوجها رسالة يسألها عن حالها، لكنها لم تكتب مرة أخرى.