[ نسخة من نشرة قسم شرطة سان فرانسيسكو لملاحقة "زودياك" ومجموعة من رسائله (مواقع التواصل الاجتماعي) ]
بعد أكثر من 51 عاما، تمكن فريق من الشباب في الولايات المتحدة، وأستراليا، وبلجيكا من حل أحد أكثر الألغاز تعقيدا في التاريخ الأميركي، وهي شفرات رسائل القاتل المتسلسل "زودياك"، وتعرف الشفرة باسم "شفرة 340″، إذ تتكون من 340 حرفا، وفق ما أعلن مكتب التحقيقات الأميركي "إف بي آي" (FBI).
غموض ووحشية
في 5 يوليو/أيار 1969، كشفت الشرطة عن جريمة قتل شنعاء لفتاة داخل سيارتها، وكانت بصحبة صديقها في مدينة فاليجو (شمال سان فرانسيسكو)، ونجى الشاب من الحادث ليكون الضحية الوحيدة، التي رأت وجه القاتل.
وبعد ساعات من الكشف عن الجريمة، تلقى مركز شرطة فاليجو اتصالا من القاتل، ليعترف بجريمته، وينسب إلى نفسه جريمة قتل أخرى حدثت قبل 7 أشهر، قتل فيها شابا وفتاة داخل سيارتهما أيضا.
وبعد شهرين، فاجأهم القاتل بجريمة أخرى لا تقل بشاعة عن جرائمه الأولى، في 27 سبتمبر/أيلول 1969، عندما هاجم زوجين في بحيرة بيريسا في مقاطعة نابا بولاية كاليفورنيا، وبعد تهديدهما بالسلاح، قام بربطهما وطعنهما بالسكين؛ لكن تمكن الزوج من النجاة.
واختتم المجرم الغامض جرائمه بقتل سائق سيارة أجرة في 11 أكتوبر/تشرين الأول عام 1969، في سان فرانسيسكو، الذي مات بعد توجيه القاتل طلقة في رأسه مباشرة.
ومع ذلك، لم تتمكن الشرطة من الوصول إلى دليل أو خيط يصلها بمن وراء هذه الجرائم، وتسببت جرائمه في نشر الذعر بين الشعب، خاصة بعد تهديده باستهداف حافلات المدارس، وقتل الأطفال.
رسائل مشفرة
لم يكتف القاتل بمكالماته لمراكز الشرطة بعد كل جريمة ليخبرهم أنه القاتل، وقرر إرسال رسائل مشفرة إلى صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" (San Francisco Chronicle)، كان أولها في نوفمبر/تشرين الثاني 1969، وتحتوي على رموز معقدة وغريبة.
وتمكن معلم مدرسي وزوجته من فك شفرة أول رسائله، والتي بدأت بقوله "أتمنى أن تكونوا مستمتعين بمحاولات اللحاق بي"؛ لكن لم يتمكن أحد من الوصول إليه، أو حتى تفسير باقي الرسائل.
ومع كل من رسائله المشفرة، يرسل خطابا بخط يده يصف به كيف قام بجريمته، وسبب حبه للقتل، ويتوعد بقتل بعض من الصحفيين والمحققين، الذين يسعون لكشفه، وفي أحد رسائله أطلق على نفسه اسم "زودياك" (Zodiac).
إعادة إحياء القضية
وبعد سنوات من التحقيق والوصول لعدد من المشتبه بهم، كان أشهرهم آرثر لي ألين؛ لكن لم تثبت الجريمة على أي منهم، وبدأت القضية بالاندثار بمرور السنوات، حتى أعادها للتحقيق مرة أخرى رسام كاريكاتير يدعى روبرت غرايسميث.
كان غرايسميث يعمل في صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" منذ بداية القضية، وكان مولعا بالقراءة، وتمكن من قراءة عدد من الكتب حول فك الشفرات والألغاز، وانضم إليه أحد المحققين الذين كانوا ضمن قضية زودياك، وتمكنوا سويا من جمع المزيد من الأدلة التي تدين آرثر لي ألين؛ لكن لم يتثبت قطعا بعد أنه القاتل.
وبعد سنوات، نشر غرايسميث كتابه بعنوان "زودياك"، وروى به القصة كاملة وكل ما توصل إليه، وفي هذه الأثناء، تمكن أحد المحققين من الوصول لأحد الضحايا الناجين عام 1991، وتمكن من التعرف على وجه ألين، وقال إنه هو من أطلق عليه الرصاص قبل 22 عاما.
وشكلت لجنة للتحقيق مع ألين؛ لكنه توفي بنوبة قلبية قبل التحقيق معه، ولم تتمكن الشرطة من إثبات الجرائم عليه.
بعد نصف قرن
وبعد 51 عاما، نشر مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (FBI) في سان فرانسيسكو، عبر حسابه بموقع تويتر، بيانا قال فيه إن "تم إعلام مكتب التحقيقات الفدرالي مؤخرا بأن الشفرة المنسوبة إلى القاتل زودياك، تم حلها من مواطنين عاديين".
وأوضح البيان أن التحقيق في القضية ما زال مستمرا حتى تتحقق العدالة لضحايا زودياك وأهاليهم، وأضاف "بسبب استمرار التحقيق، واحتراما للضحايا وعائلاتهم، لن نقدم المزيد من التعليقات في الوقت الحالي".
ويتكون الفريق الذي فك الشفرة من الأميركي ديفيد أورانشاك، الذي صرح لصحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post)، أنه رأى الشفرة لأول مرة منذ 14 عاما، واعتقد أنه يستطيع فكها، وشاركه عالم الرياضيات الأسترالي سام بليك، والمبرمج البلجيكي جارل فان إيك.
وبذلك تمكن الثلاثي من فك الشفرة المكونة من 63 رمزا فريدا وغامضا، كتبهم القاتل في رسائله التي ألصقها بقطعة قميص ملطخة بالدماء لأحد ضحاياه، ولم يتمكن أحد من حلها طيلة هذه السنوات، حتى بعد اختراع جهاز حاسوب عملاق مخصص لفك شفرة زودياك.
وبنيت على القضية العديد من الكتب والأعمال الفنية، أشهرها فيلم "زودياك" (Zodiac) الأميركي الذي صدر عام 2007، من بطولة جيك غيلنهال، وروبرت داوني جونيور، ومارك رافالو.