تصدر ما يوصف بـ "كابوس تسليم السلطة" المشهد السياسي الأميركي بعدما امتنع الرئيس دونالد ترامب عن التعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا خسر انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، معرضا نفسه لسيل من الانتقادات.
وسعى قادة حزبه الجمهوري إلى تدارك الموقف دون توجيه انتقاد مباشر إلى الرئيس، مؤكدين أن نظام الحكم الدستوري في الولايات المتحدة سيستمر.
وقال ترامب في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض أمس الأربعاء "يجب أن نرى ما سيحصل"، وذلك ردا على صحفي سأله إن كان يتعهد بالالتزام بأبسط قواعد الديمقراطية في الولايات المتحدة وهي النقل السلمي للسلطة حين يتغير الرئيس.
تطبيع الحديث عن الأزمة
ورأى جوليان زيلزر المؤرخ بجامعة برينستون، في حديث تلفزيوني، أن ترامب يهدف إلى "تهديد العملية الانتخابية ويقول بصوت عال للجميع ما يفكر فيه، وكلما قدم هذه الحجج، قام بتطبيع حقيقة أن هذا يمكن أن يكون جزءا من النقاش السياسي الجديد".
من جانبه، رأى البروفيسور غريغور كوغر، عميد قسم العلوم السياسية بجامعة ميامي بولاية فلوريدا، أن ما يقوم به ترامب هو "غير أميركي على الإطلاق".
وقال كوغر في حديث للجزيرة نت إن "أحد المبادئ الأساسية للسياسة الأميركية أننا نختار قادتنا عن طريق الانتخاب. وإن هجمات الرئيس ترامب المستمرة على شرعية الانتخابات الأميركية ورفضه احترام نتائجها هو سلوك غير أميركي".
وقد سارع مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة جو بايدن إلى استنكار تصريحات ترامب قائلا "في أي بلد نعيش؟ إنه يقول أكثر الأمور غير العقلانية. لا أعرف ما أقول".
من جهته، قال السيناتور الجمهوري ميت رومني إن إبداء أي تردد بشأن تطبيق ما يضمنه الدستور "أمر لا يعقل وغير مقبول".
وكتب في تغريدة "النقل السلمي للسلطة أمر أساسي للديمقراطية، دون ذلك سنكون أشبه ببيلاروسيا" (روسيا البيضاء).
ترامب يتحكم بالأجندة السياسية
وقال دانيل آليكسي، وهو مهندس يقيم في مقاطعة مونتغومري بولاية ميريلاند، للجزيرة نت إن ترامب "يحرك أجندة البلاد السياسية كما يشاء، خدمة لتحشيد وتعبئة قواعده الانتخابية".
وتابع "للأسف يستطيع ترامب نقل الاهتمام العام، خاصة بين وسائل الإعلام، من قضية لأخرى بسرعة كبيرة. لقد نجح في وقف الحديث حول تداعيات الحكم على قتلة الشابة السوداء بريونا تايلور على يد الشرطة، وها نحن نتحدث عن قضية أخرى هو يحددها، تسليم السلطة".
دفاعا عن الدستور
في غصون ذلك، عارض قادة الجمهوريين موقف ترامب دون الإشارة إليه بشكل مباشر، مشددين على ضرورة الدفاع عن الدستور الأميركي والتداول السلمي للسلطة.
وقال السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ في تغريدة على تويتر "سيتم تنصيب الفائز في انتخابات الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني في 20 يناير/كانون الثاني. سيكون هناك انتقال منظم تماما كما كانت الحال كل 4 سنوات منذ عام 1792".
وأكد ماكونيل أن "علينا أن نثق في نظام الانتخابات الرئاسية وإجراءاتها، ولا يوجد ما يدفع للتشكيك في نتائجها".
في الاتجاه نفسه، قال زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس النواب كيفن مكارثي "يجب أن نمضي قدما في انتخاباتنا.. لا ينبغي لنا أبدا أن نمتنع عن إجراء الانتخابات في اليوم الذي حددناه".
من جهتها، قالت القيادية الجمهورية بمجلس النواب ليز تشيني عبر تويتر إن "التداول السلمي للسلطة منصوص عليه في دستورنا وأساسي لبقاء جمهوريتنا. يؤدي زعماء أميركا اليمين ويقسمون على احترام الدستور. وسنلتزم بهذا القسم".
تأييد لموقف ترامب
بيد أن آخرين في معسكر ترامب سعوا للدفاع عنه وسط هذا الجدل، إذ قال دريك هانتر، الإعلامي الخبير بمؤسسة هيريتيج المحافظة، إنه "لا ينبغي لأي مرشح أن يقبل الأسئلة حول خسارته في خضم الحملة الانتخابية".
وأشار هانتر في حديث للجزيرة نت إلى أن "هيلاري كلينتون (المرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة) قالت لجو بايدن ألا يتنازل تحت أي ظرف من الظروف، ولكن هذا لم يسبب أي غضب".
وأضاف أن ما سماها "حقيقة" أن إدارة أوباما "تجسست على حملة ترامب، ثم فريق ترامب الانتقالي، تظهر أنه لم يكن هناك انتقال سلمي للسلطة في عام 2016، ومع ذلك يتم تجاهل هذا أيضا".
وقد سعى ترامب مرارا للتشكيك في شرعية الانتخابات، مشيرا إلى مخاوفه بشأن التصويت عبر البريد الذي يشجع عليه الديمقراطيون وسط جائحة فيروس كورونا.
ودفعت دعوات ترامب لتأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وما سبق ذلك من رفضه التعهد باحترام نتائجها، الكثيرين لتوقع أزمة دستورية غير مسبوقة بسبب توقع تصويت ملايين الناخبين بالبريد والذي سيستغرق معه عد وفرز الأصوات أياما عدة أو أسابيع.