في 12 أكتوبر/تشرين الأول 1999، كانت وكالات الأنباء تبث خبرا عاجلا بأن جنرالا بأربع نجوم قاد انقلابا عسكريا وتوّج نفسه رئيسا لدولة نووية، لكن قوته خذلته بعد عشرين عاما، فوُجهت له تهمة الخيانة العظمى وحُكم عليه بالإعدام.
قبل أن تنفصل الهند عن باكستان ولد برويز مشرف في مدينة نيودلهي في 11أغسطس/آب 1943، لأمه بيغم زارين ووالده الدبلوماسي سيد مشرّف الدين.
لاحقا هاجرت العائلة إلى باكستان، واستقرت في كراتشي حيث تلقّى برويز تعليمه الأولي، ثم انضم إلى القوات المسلحة في عامه 18، ليبدأ مسيرة من المعارك والتحديات أهّلته للرتب العسكرية الرفيعة.
قاتل مشرف في حربين ضد الهند التي ولد فيها: الأولى كانت عام 1965 في ولاية البنجاب، والثانية عام 1971، وكان دوره في المعارك موضع تقدير في الجيش الباكستاني، وتوّج بوسام البسالة.
وفي عام 1998، كان الأداء العسكري للرجل قد بلغ ذروته فعُين قائدا للجيش الباكستاني المتورط في السياسية والمفعم بمعاني التحدي والعظمة بحكم قدرته على مواجهته الهند؛ الجار ذي القربي والعدو اللدود.
شريف ومشرف
وفي العام ذاته، وإلى جانب رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف؛ أشرف برويز مشرّف على تجربة نووية باكستانية ناجحة، في رد سريع على خطوة مماثلة من الهند.
وكان ذلك كفيلا بارتفاع أسهم الجنرال وسط شعب يغمر الجيش بالحب ويتغنى بأمجاد الضباط، ويتوقع منهم الرد بالتي هي أقوى متى نطقت مدافع الجيران.
ومن مكتبه المحصّن في قيادة الأركان براولبندي، كان برويز مشرف يُطل على المشهد السياسي في إسلام آباد، وربما فكر في الاقتداء بأسلافه من الجنرالات الذين أوصلتهم الدبابات إلى السلطة، فطاب لهم المقام في القصر، مثل: آغا يحيى خان، ومحمد أيوب خان، ومحمد ضياء الحق.
وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 1999، أقال رئيس الوزراء قائد الجيش لأسباب مجهولة، وقيل إنه أعطى تعليمات بمنع طائرته من الهبوط في مطاري كراتشي عند عودتها من سريلانكا.
لكن ضباط القوات المسلحة سمحوا لقائدهم بالهبوط، وعلى الفور سيطر الجيش على محطتي الإذاعة والتلفزيون، وعلى مقر إقامة رئيس الوزراء.
أسقط قائد الجيش المقال الحكومة المنتخبة التي يرأسها نواز شريف، ووجه خطابا للشعب عبر التلفزيون تعهد فيه بإنقاذ باكستان من الانهيار وضمان أمنها وقوتها.
مشرّف الذي اتهم رئيس الوزراء بالسعي لإسقاط طائرته، أعلن حالة الطوارئ، وسمى نفسه لاحقا رئيسا للبلاد، مع احتفاظه بقيادة الجيش في الوقت ذاته.
احتفالات وتحديات
وكان يوما مشهودا؛ إذ احتفل كثيرون باستيلاء الجيش على السلطة، وفي اليوم التالي كانت صورة الجنرال ذي الأربع نجوم تحتل الصفحات الأولى من الجرائد.
أسبغ البرلمان الشرعية على الانقلاب، وفي عام 2001، طعنت المعارضة في شرعية الجنرال وقالت إنه لا يملك الحق في عقد لقاء قمة مع الهند.
رد مشرف بإجراء استفتاء شعبي في يونيو/حزيران من العام ذاته، وهو ما منحه الشرعية التي يطمح إليها كرئيس فعلي لدولة باكستان.
بيد أن هذا العام كان يخبئ الكثير للضابط الكبير، فقد أفل نجم السعد، وجاءت تحديات وضعته على المحك، وعندما اختار الطريقة التي يراها مناسبة مقته الباكستانيون.
ففي 11 سبتمبر/أيلول 2001، خطف انتحاريون -معظمهم من السعودية- طائرات أميركية وهاجموا وزارة الدفاع بواشنطن وبرجي التجارة في نيويورك، مما أدى إلى مقتل نحو ثلاثة آلاف شخص.
وعندما قرر الأميركيون الرد على تنظيم القاعدة، سمح لهم مشرف باستخدام الأراضي الباكستانية لضرب حركة طالبان، ثم غزو أفغانستان.
وفي مناسبات عديدة، تظاهر الباكستانيون ضد انخراط مشرف -إلى جانب واشنطن- في ما تسمى الحرب على الإرهاب، وتحول الجنرال من بطل إلى عميل للأميركيين في نظر كثير من مواطنيه.
وفي 2002، نظم الرجل انتخابات نيابية وصفت بأنها تفتقر للنزاهة، ومن خلالها سيطر حزبه على البرلمان، وأحكم قبضته على مؤسسات الدولة.
ومرة أخرى، أوغر مشرف صدور الباكستانيين بمصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون على هامش القمة العالمية للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2005.
نهاية رجل قوي
وكان المسجد الأحمر في باكستان مركزا للأصوات الرافضة لارتماء إسلام آباد في حضن الغرب، فقررت السلطات هدمه بحجة أنه بُني قبل عقود على أرض مملوكة للدولة.
حاصرت قوات الأمن المسجد فترة طويلة، ثم اقتحمته في 2007، وسقط العديد من القتلى والجرحى، ودخلت باكستان في أزمة سياسية كبيرة، في وقت وصلت فيه شعبية مشرف إلى الحضيض.
في العام ذاته أيضا، ضاق الجنرال المطاع بالقاضي افتخار تشودري الذي أبطل عدة قرارات رئاسية لكونها تخالف الدستور، وأصر على أنه لا يحق لمشرف الجمع بين رئاسة الدولة وقيادة الجيش.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2007، أقال مشرف تشودري من منصب كبير القضاة، ولكن المحكمة العليا ألغت قرار الرئيس، فدخل سدنة العدل في مواجهة طويلة مع الجنرال.
وبحلول 24 من الشهر ذاته، أكدت اللجنة الانتخابية الباكستانية انتخاب مشرف رئيسا للبلاد لولاية دستورية ثانية لمدة خمس سنوات.
لكنه لم يتعاف من أزمتي تشودري والمسجد الأحمر، وما لبث أن تدهورت علاقته بالوسط السياسي، وارتفعت الأصوات المطالبة بعزله، فاضطر للاستقالة عبر التلفزيون في 18 أغسطس/آب 2008.
ولم تكن هذه الاستقالة إلا مقدمة لملاحقة قضائية ضد جنرال ألقى بنياشينه في مستنقع السياسة؛ فانتهى به المطاف هاربا من العدالة، يتنقل بحذر بين دبي ولندن.
وفي الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، قضت محكمة خاصة في إسلام آباد بإعدام برويز مشرف، بعد إدانته بالخيانة العظمى لكونه عطّل الدستور، وفرض حالة الطوارئ في 2007.