[ التشاغوسيون يطالبون بالعودة إلى جزرهم التي هجرتهم بريطانيا منها (الأوروبية) ]
يقال إن الإمبراطورية البريطانية غزت خلال تاريخها كل بلدان العالم إلا 22 بلدا. لكن هذه الإمبراطورية التي "لم تكن تغيب عنها الشمس" أُرغمت خلال القرن العشرين على التخلي عن مستعمراتها والاعتراف باستقلالها تباعا حتى لم يعد منها شيء يذكر تحت سلطتها.
غير أن جزيرة نائية في المحيط الهندي لا تزال تسبب لبريطانيا صداعا بسبب مطالبتها المتكررة باستعادة أرخبيل صغير لا يزال تحت الاحتلال البريطاني وفقا لتعريف الأمم المتحدة.
وانقضت يوم الجمعة (22 نوفمبر/تشرين الثاني 2019) مهلة ستة أشهر منحتها الأمم المتحدة لبريطانيا لإعادة أرخبيل تشاغوس إلى دولة موريشيوس.
وتقول بريطانيا -التي تحدّت قرار الأمم المتحدة- إنها لا تعترف بادعاء موريشيوس سيادتها على الأرخبيل.
الرفض البريطاني
ومع انقضاء المهلة أصدرت وزارة الخارجية البريطانية بيانا أصرت فيه على أن لها كل الحق في الاحتفاظ بالسيطرة على الأرخبيل الذي تسميه "إقليم المحيط الهندي البريطاني".
وقال البيان "ليس لدى المملكة المتحدة شك في سيادتها على إقليم المحيط الهندي البريطاني الذي ظل تحت السيادة البريطانية المتواصلة منذ 1814".
وأضاف "لم تكن لموريشيوس يوما السيادة على إقليم المحيط الهندي البريطاني، والمملكة المتحدة لا تعترف بادعائها".
من جانبها، قالت حكومة موريشيوس في أواخر المهلة الدولية إن بريطانيا صارت الآن "محتلا مستعمرا غير شرعي"، وفقا لما أعلنه رئيس الوزراء الموريشيوسي برافيند جوغنوث.
وتقول موريشيوس إنها أرغمت على التخلي عن الأرخبيل لصالح المستعمر البريطاني في عام 1965 مقابل الحصول على الاستقلال الذي نالته عام 1968.
أرخبيل بثلاثة ملايين جنيه
ودفعت بريطانيا ثلاثة ملايين جنيه إسترليني مقابل الأرخبيل، وأعلنته إقليما تابعا لها تحت اسم إقليم المحيط الهندي البريطاني.
وفي 22 مايو/أيار 2019 صوتت الغالبية العظمى من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح إعادة أرخبيل تشاغوس إلى موريشيوس، إذ أيد القرار 116 دولة ولم تعارضه إلا ست دول، بينما امتنعت 56 دولة عن التصويت.
وقالت الأمم المتحدة إن إنهاء استعمار موريشيوس "لم يتم بطريقة تتسق مع حق تقرير المصير"، وبناء على ذلك فإن "استمرار إدارته (من قبل بريطانيا).. يمثل تعديا".
وطالب القرار بريطانيا بإنهاء احتلالها للأرخبيل دون قيد أو شرط في غضون ستة أشهر.
وجاء قرار الأمم المتحدة بعد ثلاثة أشهر فقط من توصية المحكمة العليا الأممية لبريطانيا بمغادرة أرخبيل تشاغوس في أقرب وقت ممكن.
قاعدة أميركية سيئة السمعة
من بين الدول الست التي صوتت رفضا لقرار الأمم المتحدة كانت الولايات المتحدة التي لها قاعدة جوية في جزيرة دييغو غارسيا، إحدى جزر أرخبيل تشاغوس، كانت قد أنشأتها بدعوة من بريطانيا.
ومن تلك القاعدة العسكرية انطلقت طائرات أميركية لتنفيذ عمليات قصف في أفغانستان والعراق.
وذكرت تقارير أن القاعدة استخدمت أيضا "موقعا أسود" من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) لاستجواب أشخاص مشتبه بهم في قضايا الإرهاب.
وفي عام 2016 تم تجديد عقد تأجير القاعدة حتى عام 2036.
ما المخاطر التي تواجهها بريطانيا؟
على مدى عقود طالبت موريشيوس باستعادة الأرخبيل، وقد نالت التأييد الدولي أخيرا، ولا سيما بعدما قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي عقب استفتاء البريكست، حيث دفع ذلك حلفاء تقليديين لبريطانيا للتصويت ضدها أو الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة.
ولم تكن مهلة الأمم المتحدة ملزمة، لذلك ليس من المنتظر فرض عقوبات فورية على بريطانيا.
لكن مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أندرو هاردينغ يرى أن تجاهل بريطانيا للدعوات الدولية قد يجر عليها عقوبات بطيئة وتدريجية، أغلبها من جهة المؤسسات، أي أنها قد تجد نفسها منبوذة في مؤسسات طالما كانت مهمة جدا بالنسبة لها.
ويوضح هاردينغ أن بريطانيا لم يعد لها قاض في محكمة العدل الدولية في لاهاي المؤلفة من 14 قاضيا، وأنها سترى في المستقبل واقعا آخر في خريطة الأمم المتحدة يعكس الرؤية الأممية لأحقية موريشيوس بالسيادة على أرخبيل تشاغوس.
وكانت الحكومة البريطانية قد أكدت عند صدور قرار الأمم المتحدة أنها لا تقر بادعاء موريشيوس السيادة، لكنها قالت إنها ستحترم التزاما سابقا بتسليم الأرخبيل حين تنتفي حاجتها إليه للأغراض الدفاعية.
تهجير سكان الأرخبيل
وكانت بريطانيا قد هجّرت بين عامي 1968 و1974 آلافا من سكان تشاغوس، ونقلتهم عبر مسافة تزيد على ألف ميل (حوالي 1600 كلم) إلى موريشيوس وسيشيل حيث عاشوا في فقر مدقع وكانوا ضحية للتمييز.
وفيما بعد اعتذرت بريطانيا مرارا عن عمليات التهجير، التي قال رئيس وزراء موريشيوس برافيند جوغنوث إنها تبلغ حد الجرائم ضد الإنسانية.
وتقع موريشيوس في المحيط الهندي قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للقارة الأفريقية.
ويسكنها حوالي 1.3 مليون نسمة في مجتمع متعدد الأعراق والديانات واللغات، حيث يعيش الهندوس والمسيحيون والمسلمون جنبا إلى جنب.