[ احتجاجات متواصلة منذ اسبوع في بوليفيا ]
تتزايد التعقيدات في بوليفيا على وقع احتجاجات في الشارع، منذ نحو أسبوع، حشدت لها المعارضة الرافضة لنتائج فوز الرئيس المحسوب على اليسار، إيفو موراليس، وتصريحات أميركية تشي بأنها في صف مرشح المعارضة، والرئيس الأسبق لبوليفيا (بين 2003 و2005) كارلوس ميسا.
وفجر اليوم الاثنين، ذهب الأميركيون خطوة إضافية للضغط على موراليس وحكومته، بإعلان شبه صريح لوزير الخارجية مايك بومبيو، عن أن "العالم يراقب وسيضمن الاستماع لأصوات الشعب". ومضى بومبيو في لهجة تدخل في الشأن الانتخابي البوليفي قائلا إن "العالم يراقب مؤسسات وقادة بوليفيا".
وكانت نتائج الانتخابات، التي رفض ميسا الاعتراف بها واتهم معسكر الرئيس موراليس بـ"التزوير والتلاعب بنتائجها" مطالبا بـ"جولة ثانية"، قد أعلنت عن فوز موراليس من الدورة الأولى بأكثر من 47 في المائة من الأصوات. وشهدت شوارع مدن بوليفية عدة احتجاجات حشدت لها المعارضة، حيث خرج المتظاهرون يقرعون أوعية الطعام تعبيرا عن الاحتجاج على النتائج.
وكانت بوليفيا قد شهدت صدامات عنيفة في الأسبوع الماضي، وتزايدت الخشية من وقوع البلد في حالة استقطاب عنيف بين معسكرين، واحد مؤيد للرئيس الحالي وآخر للمعارضة، بما يذكر بالحالة التي عاشتها فنزويلا، وخصوصا أن تلك الصدامات لم تقتصر على لاباز، بل اتسعت إلى مدن أخرى على وقع نشر بعض النتائج أولا بأول، والتي كانت تفيد بتقدم موراليس في الانتخابات، التي جرت دورتها الأولى في 20 أكتوبر/تشرين الأول، ما اضطر لجنة الانتخابات إلى وقف الإعلان عن تلك النتائج لتهدئة الشارع البوليفي.
ويذكر أن إيفو موراليس يقود البلاد منذ نحو 14 عاما، ويعتبر الرئيس البوليفي الأول من أصول إثنية من الشعب الأصلي، وعمل سابقا كفلاح عادي، قبل أن يخوض في ربيع لاتيني، منذ تسعينيات القرن الماضي، بالتوجه يسارا وإلى خارج اعتبار القارة الحديقة الخلفية لواشنطن، التي تدخلت تاريخيا بدعم رؤساء وقادة محافظين وانقلابات عسكرية في غير مكان في أميركا اللاتينية.
وشهدت كبريات مدن بوليفيا إضرابات احتجاجية حين أصر إيفو موراليس على عدم الحاجة إلى دورة ثانية من الانتخابات، باعتباره فاز بنسبة كافية على منافسه المحافظ كارلوس ميسا.
وخشية من اتساع الصدام في الشارع البوليفي، اختار الرئيس الحالي موراليس دعوة العديد من المنظمات الدولية للمشاركة في بحث النتائج ومراقبة الدورة الثانية من الانتخابات التي قبل، أمس، بإجرائها في حال التثبت من وجود تلاعب بالانتخابات، وهو القبول الذي دفع بومبيو، اليوم الاثنين، لإطلاق تصريحات عن أن "العالم يراقب" ما يجري، كاتهام ضمني لمعسكر موراليس بالتلاعب في نتائج الانتخابات.
وأعلن موراليس، أمس، في كلمة بثها التلفزيون الرسمي البوليفي، أنه قام بدعوة لتقييم نتائج الانتخابات، ووجه دعوته لمراقبين من الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا قائلا "دعونا نعيد فرز كل صوت، وسوف أشارك في دورة ثانية إذا ما وجد أي تلاعب (في نتائج التصويت)".
وتحدث الرئيس البوليفي في كلمة له تتعلق بالاحتجاجات التي تشهدها مدن بلده قائلا إنه "إذا أراد الناس أن يضربوا فلا مانع ولا مشكلة في ذلك"، لكنه شدد في نفس الوقت على أنه لن يقبل بالعنف في الشارع. وكان زعيم المعارضة ومرشحها الرئاسي، ميسا، قد أعلن أن المعارضة بصدد تشكيل لجنة تطالب فيها دول العالم بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات التي فاز بها الرئيس موراليس.
وكان مراقبون من الاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الأميركية قد أوصوا موراليس بإجراء اقتراع جديد في دورة ثانية. وأعلنت لجنة الانتخابات البوليفية (TSE) عدم اكتشافها أي نوع من التحايل، ودعت اللجنة منظمة الدول الأميركية OAS لإجراء دراسة لنتائج الانتخابات، من دون أن تعلن إن كانت ستقبل نتائج تلك الدراسة أم لا. وساد القلق الداخلي في بوليفيا وخارجها بعد أن توقفت لجنة الانتخابات عن تحديث نتائج الاقتراع، ليعلن لاحقا أن موراليس يتقدم بنسبة كبيرة على منافسه، واضطرت اللجنة، تحت وقع الضغط في الشارع وتركيز الصحافة في القارة اللاتينية على ما يجري في بوليفيا، إلى العودة لتحديث النتائج التي قالت بأن مرشح المعارضة كارلوس ميسا لم يحصل سوى على 36.51 في المائة، فيما حصل الرئيس الحالي موراليس على 47 في المائة.
خلفية الاحتجاجات
تجري احتجاجات المعارضة في الشارع على خلفية أن دستور 2009 أصلا يعطي الرئيس حق الترشح لولايتين فقط، ويعتبر هؤلاء أن موراليس جلس في الحكم ولايتين وينبغي ألا يترشح بالأصل بعد 14 عاما في السلطة. وحاول معسكر موراليس في 2016 تعديل الدستور من خلال استفتاء شعبي للسماح بولاية ثالثة، إلا أن الشعب صوت برفض التعديل.
ورغم ذلك، اختارت المحكمة الدستورية (بثلاثة أصوات مقابل صوتين)، في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي 2018، منح موراليس حق الترشح في انتخابات العام الحالي، وهو ما عدته المعارضة "سوء استخدام للسلطة".
القضية الأخرى التي تثير غضب المعارضة هي أن النتائج التي كانت تحدّث أظهرت تقاربا بين موراليس وميسا، يوم الأحد الماضي، ولكن بعد 24 ساعة توقفت لجنة الانتخابات عن التحديث، ما أثار حفيظة المعارضة وخروجها إلى الشارع. واعتبرت الاحتجاجات العنيفة من المعارضة بمثابة "محاولة تنفيذ انقلاب" بحسب تصريحات موراليس، الأسبوع الماضي، في دعوته للهدوء في الشارع.
موراليس الذي حظي بشعبية كبيرة على مدى سنوات حكمه الأولى، سواء داخليا أو في دول القارة اللاتينية، يعاني، شأنه شأن بقية الدول، من محاولات أميركية لاستعادة نفوذها في القارة، باستغلال سوء وتراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في عدد من الدول. وتقف الطبقة المتوسطة القريبة من التوجه الليبرالي أكثر فأكثر ضد توجهات موراليس، الأقرب إلى فقراء البلد، بإصلاحات لمصلحة هؤلاء الفقراء واستعادة التوازن في تمثيل ومشاركة الشعب الأصلي في السياسة والحكم، بعد أن ظلت بوليفيا لعقود تحكم من قبل البيض أو البوليفيين المتحدرين من أوروبا. وتسعى الطبقة المتوسطة إلى انفتاح أكبر على الأميركيين، مستغلة تراجع شعبية موراليس، الذي اعترف بنفسه أن شعبيته بالتأكيد ليست كما كانت قبل سنوات، أي منذ انتخابه في 2005.
وإذا ذهب بالفعل الرئيس موراليس للقبول بدورة ثانية (حيث يتطلب النظام الانتخابي في معظم دول القارة اللاتينية أن تجرى الانتخابات الرئاسية على دورتين)، فيمكن أن تشهد بوليفيا اقتراعا آخر يوم 19 ديسمبر/كانون الأول القادم.
وما يخشاه البوليفيون، بشكل ضمني، وجيرانهم أيضا، هو هذا الاصطفاف الذي بات شبه مرئي في الشارع بين معسكري السكان الأصليين (من إثنية الشعب الأصلي) والبوليفيين من أصول أوروبية، بعد أن استمرت الاحتجاجات لليوم السادس على التوالي في عدد كبير من مدن البلد. وتتحدث الصحافة البوليفية، وبالأخص "إل ديبر"، عن اتساع نطاق الاحتجاجات اليوم، ومحاولة المعارضة فرض عصيان مدني وشل حركة البلد بقطع الطرقات الرئيسية في مختلف المدن.