[ مئات المصلين يجتمعون في مسجد فيكتوريا لأداء صلاة الجمعة ]
مع أنهم يشكلون الأقلية الأصغر عددا، يحاول المسلمون في جزر سيشل بالمحيط الهندي مجابهة تحديات صعبة لإثبات وجودهم، مقدمين بذلك نموذجا يجمع بين مطالب التعايش وضرورات الحفاظ على الخصوصية.
اشتهر هذا الأرخبيل في السنوات الأخيرة كوجهة سياحية جذابة في المنطقة الاستوائية، فمع أن عدد سكان الجمهورية الناشئة يكاد يدور حول مئة ألف نسمة فقط، فإنها باتت حاضرة على الخريطة السياحية العالمية بقوة، مما يجعل من السياحة أحد أهم مصادر الدخل فيها.
أقلية صغيرة
وللوقوف على ظروف حياة وتحديات المسلمين هناك، التقينا بالمدير التنفيذي للجمعية الإسلامية السيشلية الشيخ عبد الرحمن ميكائيل الذي يتقن اللغة العربية، حيث حدثنا عن اعتناقه الإسلام في سن السادسة عشرة بالرغم من عدم اقتناع والده، ثم سفره أواخر التسعينيات إلى المدينة المنورة لتعلم علوم الدين واللغة في الجامعة الإسلامية.
يقول الشيخ عبد الرحمن إن نسبة المواطنين المسلمين تناهز 1.5% فقط، مع أن العرب هم أول من اكتشف هذه الجزر في القرن التاسع.
ويؤكد المتحف الوطني في سيشل هذه المقولة، حيث تذكر أول لوحة تواجه الزوار أن المؤرخ والجغرافي المسعودي كان أول من أشار إلى وجود هذه الجزر في الوثائق التاريخية المعروفة اليوم، ثم بدأت هجرات بعض الهنود إليها.
في القرن السابع عشر، جعل القراصنة البرتغاليون من هذه الجزر ملاذا لهم. وبدءا من القرن الثامن عشر أصبحت المنطقة جذابة للمستعمرين لما توفره من محاصيل استوائية، فاحتلها الفرنسيون أولا ومنحوها اسم سيشل، ثم تنازلوا عنها للإنجليز، وما زالت عاصمتها حتى اليوم تحمل اسم فيكتوريا ملكة بريطانيا، فتراجعت نسبة المسلمين مع تكاثر المستوطنين من المسيحيين والهندوس.
اتخذ الإنجليز من سيشل منفى لزعماء المقاومة ضد الاحتلال البريطاني حول العالم، وكان منهم على سبيل المثال الزعيم المصري سعد زغلول، وقد ترك بعض المنفيين المسلمين من ماليزيا ومصر وغيرهما بصمتهم هناك حتى بعد عودتهم إلى بلادهم.
لم تنل سيشل استقلالها وتبدأ تشكيل نواة الدولة إلا في عام 1976، وهي تدار اليوم بنظام جمهوري يحاول التأليف بين طيف من الأديان والطوائف والقوميات المتعددة.
تحديات
في الثمانينيات، تأسس أول مسجد للمسلمين في فيكتوريا، وتشكلت منه نواة العمل الدعوي، كما ألحقت به جمعية خيرية ومعهد لتحفيظ القرآن الكريم وعلوم الدين واللغة للناشئة، ومجلس رسمي لتوثيق الذبح الإسلامي (الحلال).
يقول الشيخ عبد الرحمن إن أكبر التحديات التي يواجهونها هي تربية أطفالهم في بيئة غير إسلامية، فليست لديهم مدرسة خاصة بهم، مع أن الجمعية تحاول سد النقص ببعض الدروس بعد انتهاء الدوام في المدارس الحكومية.
يضيف مدير الجمعية الإسلامية أن معظم المسلمين في سيشل اعتنقوا الإسلام بأنفسهم، كما فعل هو في سن مبكرة، ويتابع أن "المسلم يحتاج إلى عناية تشبه عناية المستشفى، فبمجرد اعتناق أي شاب للإسلام سيواجه تحديات في عائلته وبيئته، ولا بد من رعايته من قبل إخوانه في الدين لتعليمه وتثبيته وتوفير احتياجاته".
ويشبّه الشيخ وضع المسلمين الجدد في سيشل بما كان يعاني منه أوائل الصحابة الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكة بين ظهراني قريش، ويلفت إلى أن "الغلاء الفاحش" في هذه الدولة يصعب من حياة أي شاب يريد الاستقلال وبدء حياة جديدة بعد اعتناق الدين الجديد.
ويقول إنه لا يحزن على الضحايا الذين "يستشهدون" في سوريا واليمن وغيرها، لأنه متفائل بدخولهم إلى الجنة، إلا أنه يحزن كثيرا على شباب سيشل الذين يتركون الإسلام بعد فترة قصيرة من اعتناقه لأنهم لا يجدون الأنشطة والبرامج والرعاية التي تثبتهم.
ويشدد الشيخ عبد الرحمن على الدور المأمول من الحكومات والمؤسسات والأشخاص في العالم الإسلامي تجاه الأقلية المسلمة في سيشل، ولا سيما مع توافد الكثير من السياح المسلمين إلى هذه الجزر للتمتع بطبيعتها الساحرة، واستقرار بعض المهاجرين والعمال المسلمين فيها خلال السنوات الأخيرة.
وبالرغم من كل ما سبق من تحديات وصعوبات، يختتم مدير الجمعية الإسلامية حديثه بتفاؤله بأن الإسلام سينتشر، وبأن أثره لا بد أن يصل إلى كل بيت في بلاده.