[ الكاتبة تساءلت ما إذا كان ترامب يدرك مخاطر الانصياع لسلطة ولي العهد السعودي "المنفلتة" (رويترز) ]
قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن الولايات المتحدة ستعض أصابع الندم لرفض رئيسها دونالد ترامب الوقوف في وجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تحمله الاستخبارات الأميركية مسؤولية إصدار الأمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأضافت الصحيفة أن عدم الاكتراث الذي أبداه الرئيس الأميركي في تعاطيه مع جريمة سياسية أثارت حنق العالم، يوجز نهج تعامله التجاري "الفج" إزاء السياسة الخارجية. وبغض النظر عن أن مثل هذا النهج يحط من قدر القيادة الأميركية ويشجع الطغاة على الإتيان بأسوأ السلوكيات، فإنه يبقى من قبيل التفاصيل غير المهمة.
وتساءلت الكاتبة رولا خلف في مقالها، الذي نشرته فايننشال تايمز، ما إذا كان هناك من فوجئ بموقف الرئيس الأميركي. وأجابت هي نفسها بالقول إن ترامب لم يُخف يوما إعجابه بالحكام المستبدين حتى لو كانت أياديهم ملطخة بالدماء.
طغاة واحتضان
وتضيف رولا أنه كلما كان هؤلاء الطغاة أكثر ثراء، سعى ترامب لاحتضانهم.
وطوال أسابيع ظل ترامب يلمح إلى أنه سيضع حدا لحادثة جريمة قتل خاشقجي، الكاتب في صحيفة واشنطن بوست.
وترى رولا خلف أن هذا سيناريو مشابه لتوجهات الرئيس الأميركي إزاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين. ولا يهم مقدار الأدلة التي جُمعت بشأن حادثة الاغتيال، ذلك أن ترامب ينزع لتصديق رواية بوتين بشأن مزاعم تدخله في انتخابات الرئاسة الأميركية 2016 أكثر من ميله للاعتقاد بتقييم وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي).
فكان أن تدخل الكونغرس في الأمر، ففرض عقوبات على روسيا، وعليه أن يفعل الشيء نفسه مع المملكة العربية السعودية.
على أن إدارة ترامب ليس وحدها تقريبا في سعيها لحماية تحالفها مع السعودية. فمنذ أن التقى مؤسس المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن سعود الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت على متن الطراد كوينسي يوم 14 فبراير/شباط 1945، والعلاقات بين البلدين قائمة على مصالح "ضيقة"، فالسعودية تضمن انسيابا مطردا للنفط وإعادة توظيف البترودولارات، مقابل أن تؤمن الولايات المتحدة بقاء المملكة، وفق قولها.
حقوق إنسان
أما حقوق الإنسان -كما تقول رولا في مقالها- فإنها لم تُضمّن قط في المعادلة. كما أن التحالف اقتصر على قيادتي الدولتين.
وللدلالة على ذلك استشهدت كاتبة المقال بما ذكره الخبير في شؤون منطقة الخليج جورج غوس الذي شدد على أن "الحقيقة الثابتة بشأن هذه العلاقة هي أن لا أحد سوى البيت الأبيض يؤيدها. ففي الكونغرس والمؤسسة السياسية ليس هناك من يحب السعودية"، مضيفا أنه مع ذلك فإن أي رئيس أميركي يسعى لحمايتها.
واعتبرت الكاتبة أن سلوك ترامب، من حيث الأسلوب والمضمون، أكثر ضررا من أي رئيس أميركي سابق. فهناك -بادئ ذي بدء- نزعته "الطفولية" لإعطاء صوت لسياسة تحتقر قيمة الحياة الإنسانية، وتعززها مزاعم "مبالغ فيها" بشأن الاستثمارات السعودية وادعاءات الرياض بأن خاشقجي "عدو للدولة".
ثم هناك عجزه عن صياغة إستراتيجية حصيفة تعاقب السعودية دون قطع العلاقة معها. ويبدو أن ترامب بمثل هذا السلوك يغفل مبدأ توازن القوى في علاقة الولايات المتحدة بالسعودية. فهو بإقناع نفسه أن الولايات المتحدة بحاجة للسعودية إنما يُضعف سلطته بينما ينبغي عليه ممارسة نفوذه عليها من أجل دفعها لتغيير تصرفاتها.
وخلصت رولا خلف إلى أن السؤال الملح لا يتعلق بما إذا كان ترامب يقبل بمسؤولية محمد بن سلمان عن قتل خاشقجي، بل ما إذا كان يدرك مخاطر الانصياع لسلطة ولي العهد السعودي "المنفلتة".