[ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ]
قالت وكالة Bloomberg الأميركية إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى تحويل جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي المأساوية التي وقعت في إسطنبول إلى صالحه، من خلال تغيير توازن القوى في المنطقة، وإعادة نفوذ بلاده في الشرق الأوسط.
ويرى الموقع الأميركي أن أردوغان تمكَّن من إعادة صنع أكبر ديمقراطية في المنطقة على صورته، والآن يستهدف القيادة السعودية المنافسة وسط غضب دولي بسبب موقف الصحافي المقتول جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بإسطنبول.
كان أردوغان قد تعهّد بالكشف عن حقيقة ما حدث لخاشقجي «بكل تفاصيله» اليوم الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول. وذلك في الوقت الذي يبدأ فيه السعوديون منتدى استثمارياً كبيراً في الرياض. ومن شأن الدحض المباشر للرواية السعودية لعملية القتل أن تزيد من المخاطر، بشكل كبير، بالنسبة لوليّ العهد محمد بن سلمان، بحسب الموقع الأميركي.
وتزعم تركيا أنَّ لديها دليلاً على تعذيب الصحافي بالـWashington Post وتقطيع أوصاله على يد قتلة سعوديين سافروا بطائرات خاصة.
وتنقل بلومبيرغ عن تسريبات إعلامية استراتيجية، سرَّبها مسؤولون مجهولو الهوية، تشير إلى امتلاك أردوغان تسجيلات صوتية يستخدمها لاستخراج التنازلات من السعوديين وإقناع الغرب بأنَّ المملكة بعيدة كل البعد عن كونها شريكاً موثوقاً به.
وقال دبلوماسي غربي بارز في تركيا إنَّ ما حصل «هدية من الله» لأردوغان، مُردِّداً وجهات نظر الكثير من الآخرين الذين تحدثوا شرط عدم الكشف عن هويتهم.
يرى الموقع الأميركي أن ما على المحك في قضية خاشقجي ليست العلاقة السعودية–التركية المشحونة، أو الروابط بين السعودية والولايات المتحدة، أهم حلفائها الغربيين.
بل هي صورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. حيث إنه من الممكن أن يثير هذا الحادث أسئلة جديدة حول الأمير البالغ من العمر 33 عاماً الذي عرض في الخارج صورة متقنة الصنع لنفسه بوصفه مصلحاً، في الوقت الذي كان يعزز سلطته بوحشية في الرياض. ويقول مؤيدوه في السعودية إنه يسيطر على زمام الأمور بقوة.
وقال أحد المسؤولين البارزين في حكومة أردوغان إنَّ تركيا لم تصدق قط هذه الدعاية عن الأمير.
وقد حذر الأتراك الأميركيين سراً من أنَّ واشنطن تخاطر بتعرُّضها لإحراجٍ علني في حال كانت تحاول، تحت إدارة ترمب، تمويه الظروف المحيطة بموت خاشقجي.
ويرى الموقع الأميركي أن أردوغان «يمكنه الآن الإشارة إلى مأساة خاشقجي بصفتها مثالاً على أنَّ ديمقراطيته أفضل من أي بديل سعودي».
وبعد أن أصر السعوديون في البداية على أنَّ خاشقجي (59 عاماً) قد غادر القنصلية سليماً في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول بعد أن طلب وثيقة لزواجه المقبل، استغرق الأمر 18 يوماً لاعترافهم بأنه مات داخل السفارة، فيما قالوا إنه تحقيق خاطئ تحول إلى مشاجرة بدنية.
وقد رفض المتحدث باسم الحزب التركي الحاكم، عمر جليك، يوم الاثنين 22 أكتوبر/تشرين الأول، الرواية السعودية قائلاً إنَّ جريمة القتل قد «خطط لها جيداً»، ومع ذلك فقد رفض فكرة أنَّ الحزب كان «يساوم» السعوديين على هذه القضية.
مكاسب تركيا من أزمة خاشقجي
قال آرون ستاين، الزميل الكبير المقيم في المجلس الأطلسي: «لعبت تركيا دورها جيداً، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى عدم كفاءة السعودية». وأضاف: «لكن القرارات الداخلية في المملكة تبدو أبعد من مُتناوَل تركيا؛ إذ يعتمد الكثير منها على كيفية تحرُّك الولايات المتحدة».
تدرك تركيا ذلك أيضاً، وتأمل بأن تدفع من خلال حملتها ترمب في نهاية المطاف إلى إجبار الملك سلمان بن عبدالعزيز، البالغ من العمر 82 عاماً، على اختيار وليّ عهد جديد.
ووفقاً للمسؤول التركي. إنها قصةٌ طويلة، لكن تركيا قد حصلت على دعمٍ حديث في الولايات المتحدة، في هذه القضية على الأقل، بما يتضمَّن داعمي تركيا مثل السيناتور ليندسي غراهام. وقال غراهام، السيناتور الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية، لشبكة Fox News الأميركية، إن محمد بن سلمان «لابد أن يرحل».
وأضاف: «أيتها المملكة، إن كنتِ تسمعينني، هناك الكثير من الناس الذين يمكن أن تختاري منهم. لكن محمد بن سلمان لطَّخَ بلدك ولطَّخَك».
يقول الموقع الأميركي: "هناك علاماتٌ تشير إلى أن ترمب مُتردِّدٌ في دعمه لوليّ العهد، الذي جَعَلَ نفسه محوراً أساسياً لاستراتيجية البيت الأبيض المُناهِضة لإيران، وحظى بتفضيله لدى واشنطن من خلال التعهُّد بتوسيع عمليات شراء الأسلحة الأميركية، وهي عملياتٌ ضخمةٌ بالفعل".
قال ترمب لصحيفة Washington Post الأميركية إن الرواية السعودية للأحداث اتسمت بـ»الخداع والأكاذيب".
لكن هذا التصريح من ترمب جاء بينما كان يدافع عن وليّ العهد باعتباره «رجلاً قوياً»، وقال إن ما مِن دليلٍ على تورُّطه الشخصي في مقتل خاشقجي.
يرجع العداء بين أردوغان وعناصر من العائلة الحاكمة في الرياض إلى الثورات العربية التي هزَّت المنطقة أواخر عام 2010.
افترض أردوغان أن ما أُطلِقَ عليه الربيع العربي كان من شأنه أن يؤدي إلى ظهور حكوماتٍ قريبة لنهجه عبر المنطقة، مثلما اجتاح الإسلاميون المُضطهَدون طريقهم إلى السلطة في موجةٍ من الديمقراطية.
لكن هذه الأحلام تحطَّمَت في 2013، حين أُطيحَ الرئيس محمد مرسي، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وأول رئيس مصري مُنتَخَب، بعد عامٍ واحدٍ فقط من حكمه بواسطة الجنرال عبدالفتاح السيسي.
واحتفت الأنظمة الملكية والديكتاتورية، التي ترى الحركات الإسلامية تهديداً وجودياً، بهذه الخطوة.
محمد بن سلمان الحلقة الأضعف الآن
قال سونر جاغابتاي، مدير برنامج البحث التركي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن أردوغان انحاز إلى انتفاضات الربيع العربي، التي ناهضتها السعودية والإمارات، ما جعل له أعداءً كثر، منهم محمد بن سلمان.
ووفقاً جاغابتاي، كان مقتل خاشقجي بمعنى أوسع هجوماً على سياسة تركيا في إيواء منتقدي الأنظمة العربية.
وقال جاغابتاي: "لدى أردوغان القدرة على إحراج كلٍّ من محمد بن سلمان وترمب، لكنه يحتفظ بذلك لاستخدامه في النهاية".
وأضاف: "هذه فرصةٌ له لتقويض تحالف محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والسيسي المُناهِض له وللإخوان المسلمين؛ لأن محمد بن سلمان صار هو الحلقة الأضعف".