صباح أحد أيام أغسطس/آب 2016، وجد الناشط الإماراتي في حقوق الإنسان المعتقل حاليا أحمد منصور رسالة على هاتفه النقال، تقول "أسرار جديدة حول التعذيب في سجون الدولة بالإمارات"، ووجد رابطا يتبع هذه العبارة.
فانتابته الشكوك حول مصدر الرسالة بسبب الرابط ورقم المرسل، وقاوم رغبته في فتح الرسالة ليرسل المعلومات إلى "سيتيزن لاب"، وهو معهد أبحاث في جامعة تورنتو الكندية متخصص بحقوق الإنسان وأمن الإنترنت.
وقد كشف المعمل عن أن شركة إسرائيلية -اسمها "أن أس أو"- تحاول التجسس على منصور، وبإمكانها تعقب حركة تنقله ومراقبة الرسائل الواردة إليه والصادرة منه والسيطرة على كاميرا هاتفه و"المايكروفون".
هكذا استهلت مجلة فورين بوليسي تقريرا مطولا لها عن شركات التجسس الإلكتروني الخاصة التي أطلقت عليها اسم "مرتزقة السايبر"، خاصة الإسرائيلية منها.
ولم يكن التجسس على أحمد منصور حالة منعزلة، إذ يصل عدد من تجسست عليهم الشركة الإسرائيلية 175 معارضا وناشطا في حقوق الإنسان منذ 2016، وفقا لتأكيدات "سيتزن لاب".
أقوى من الحكومات
وقالت إن شركات التجسس الإلكتروني (السايبر) أصبحت تمتلك أسلحة إلكترونية أقوى مما تمتلكه الحكومات، وإن هذه الشركات الموجودة في الدول المتقدمة تكنولوجيًا طوّرت أدوات تجسس ونشرتها على نطاق العالم.
وأشارت إلى أن شركة "أن أس أو" نجحت في العثور على ثغرة أمنية في هواتف الآيفون، التي تُعتبر من أكثر الهواتف أمانا في العالم، وطوّرت برنامجا لاستغلال هذه الثغرة، وهي عملية تستهلك وقتا طويلا وباهظة التكلفة.
وأثارت المجلة قضايا مثل حماية الأمن القومي للدول، وحماية المرافق العامة والخاصة، وعدم وضوح الخط الفاصل بين الحماية والدفاع من جهة والهجوم والاعتداء على الآخرين من جهة أخرى، ومخاطر خصخصة القدرات الإلكترونية، وإضعاف فكرة الممتلكات السيادية.
الدفاع والهجوم
وقالت إن هناك ثلاثمئة شركة خاصة على الأقل في إسرائيل متخصصة في التكنولوجيا الإلكترونية، تغطي كل شيء من أمن المصارف إلى حماية المرافق الحساسة في البنية التحتية، مضيفة أن غالبية هذه الشركات تعمل في مجال الحماية من الهجمات الإلكترونية، وقليل منها استغل ضعف الخط الفاصل بين الدفاع والهجوم ليعمل في مجال التجسس والهجوم.
ولا تزال خصخصة هذه القدرة الهجومية في مهدها، لكنها تثير مخاوف واسعة بشأن انتشار بعض الأدوات القوية للغاية والطريقة التي تفقد بها الحكومات احتكارها لاستخدامها.
فعندما تستخدم الحكومات "سيبرانيين"، فإن هناك على الأقل احتمال فرض التنظيم والمساءلة عليهم؛ ولكن عندما تشارك الشركات الخاصة، تصبح الأمور أكثر تعقيدا.
وفي حين أن القطاع الخاص ربما يكون قادرا على دفع رواتب أكبر لموظفيه مما يجعلهم يعملون ببراعة أكثر من عملهم بالخدمة العامة، فإن الحكومة لا تزال تحمل ورقة رابحة واحدة: إنها القانون الذي تستطيع عن طريقه ضبط الشركات الخاصة وتنظيم عملها وتعاملاتها.
الإمارات وإسرائيل
وفي حالة الإمارات العربية المتحدة ومنصور، نصح بعض المسؤولين في مكتب التنظيم الإسرائيلي بعدم بيع هذا النظام لدولة عربية، وفقا لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية اليومية التي أفادت بأن الأسلحة الإلكترونية التي وافق عليها المنظمون أخيرا كانت أضعف من تلك التي اقترحتها شركة "أن أسو أو"، وقالت إن بعض المسؤولين في وزارة الدفاع يعارضون الصفقة لأن التكنولوجيا كانت تُباع لبلد عربي. ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الوزارة قوله "إنها لفضيحة أنهم أعطوا تصريحا كهذا".
الحكومة والشركات الخاصة
وعن العلاقة بين شركات القطاع الخاص والحكومة، تقدم إسرائيل حالة اختبار جيدة. فهي تخرّج أعداد ثابتة من مشغلي الإنترنت ذوي المهارات العالية الذين يتعلمون الحرفة أثناء خدمتهم العسكرية في واحدة من وحدات استخبارات النخبة في البلاد -الوحدة 8200 وهي الأفضل في مجالها- ثم ينتقلون للعمل في القطاع الخاص.
وقال نداف زافرير، وهو عميد متقاعد وقائد سابق لوحدة 8200: حتى الجنود الذين يقضون خدمتهم في الدفاع عن إسرائيل من الهجمات الإلكترونية ينتهي بهم الأمر إلى معرفة شيء عن كيفية مهاجمة الطرف الآخر، مضيفا أنه من أجل تخفيف الفجوة بين الدفاع والهجوم يجب أن يكون لديك عقلية مهاجم.
ونسبت المجلة إلى بعض الخبراء قولهم إن أكثر التطورات التي تثير القلق في مجال تكنولوجيا الحاسوب والإنترنت، هو انتشار ما يُسمى بإنترنت الأشياء. ويقول الخبير بجامعة هارفارد بروس سخنير إن كل شيء أصبح عبارة عن حاسوب: الهاتف والثلاجة والمايكرويف والسيارة، وإن المشكلة تكمن في أن الإنترنت الذي تم تصميمه في السبعينيات والثمانينيات لم يُصمم مع مراعاة الأمن، لذلك نجد الجميع يتزاحمون للعثور على نقاط ضعف في نظم المعلومات ونظم التشغيل لشن هجمات.
ويضيف سخنير -الذي ألف كتابا بعنوان "أنقر هنا لتقتل الجميع: الأمن والبقاء في عالم يربطه الإنترنت"- إن الهجمات دائما هي الأسرع والأسهل والأفضل.
وعتّم الإنترنت على الحدود بين الدول، كما من الصعب التعرف بشكل فوري على المصدر الذي شن حربا إلكترونية، لذلك أصبح من الصعب على الدول أن ترد على أي هجوم بالسرعة المطلوبة، الأمر الذي جعل الأسلحة الإلكترونية تبرز كأدوات فعالة لجميع الدول من كل الأحجام.