لا تزال ماليزيا تعيش على وقع الهزات الارتدادية لفوز تحالف المعارضة برئاسة مهاتير محمد الذي بدأ معركته على الفساد حتى قبل تشكيل الحكومة، الجديد اليوم كان الإعلان عن أكبر عملية مصادرة في تاريخ البلاد، في إطار التحقيق في أكبر فضيحة فساد في التاريخ بطلها رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق.
استيقظ الماليزيون اليوم الأربعاء على إعلان الشرطة عن أكبر عملية مصادرة أموال ومقتنيات ثمينة في تاريخها، بطلها رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، وتبلغ قيمتها 273 مليون دولار من بينها كمية كبيرة من المجوهرات وحقائب فاخرة.
وقال رئيس قسم الجرائم المالية في الشرطة أمار سينغ في مؤتمر صحافي إن الشرطة نفذت اليوم "أكبر عملية مصادرة في تاريخ ماليزيا" لأموال ومقتنيات تعود لرئيس الوزراء السابق، لافتا إلى أن قيمة هذه الممتلكات تتراوح بين 910 ملايين و1,1 مليار رينغيت، أي ما يعادل 225 و273 مليون دولار.
عقد واحد بـ1.5 مليون دولار
وتتضمن الممتلكات المصادرة مبالغ نقدية بقيمة 116 مليون رينغيت (28,8 مليون دولار) بـ26 عملة، و12 ألف قطعة مجوهرات، ومئات حقائب اليد الفاخرة، وأكثر من 400 ساعة تقدر قيمتها بـ19,3 مليون دولار.
وتشمل المجموعة التي ضبطت 1400 عقد و2200 خاتم، وقال أمار إن أغلى قطعة مصادرة هي عقد قدرت قيمته بـ6,4 ملايين رينغيت (1,5 مليون دولار).
أكبر قضية اختلاس بالتاريخ
عملية المصادرة هذه هي جزء من عملية مكافحة ما باتت توصف بأكبر قضية اختلاس في التاريخ بطلها عبد الرزاق (رئيس الوزراء بين 2009 و2018) الذي غادر السلطة بعد فوز تحالف المعارضة برئاسة مهاتير محمد في الانتخابات التي جرت في التاسع من مايو/أيار الماضي.
وتتعلق تهم الفساد بعمليات سرقة واختلاس تقدر بنحو 4.5 مليارات دولار من صندوق ماليزيا واحدة للتنمية "1 أم دي بي"، يتهم رئيس الوزراء السابق باختلاسها منذ تأسيس الصندوق عام 2009 حين تولى نجيب عبد الرزاق الحكم بصفته رئيسا للمنظمة الملاوية المتحدة (أمنو) -وهو الحزب الأساسي في الجبهة الوطنية التي حكمت ماليزيا على مدى ستين عاما متصلة- التي فقدت السلطة الشهر الماضي.
والاتهامات التي تلاحق نجيب، وكلها من الوزن الثقيل، تتوزع بين جرائم مالية وأخرى جنائية، لكن ملف الصندوق السيادي يبقى هو القضية الأسخن والأثقل وزنا، ليس في الشارع الماليزي فحسب، بل في دول عدة كانت مسرحا لعمليات غسيل للأموال المنهوبة من الصندوق، مثل الولايات المتحدة وسويسرا وهونغ كونغ وسنغافورة ولوكسمبورغ والإمارات وسيشل.
السعودية والإمارات
وإلى جانب الإمارات، ظهر اسم دولة عربية أخرى هي السعودية في ملفات اتهامات نجيب بالفساد، إذ يواجه الأخير شبهة فساد تتعلق بتلقيه مبلغ 680 مليون دولار دفعت من الصندوق لحسابه.
فبعد أن أصدر النائب العام الأسبق أمرا باعتقال نجيب بسبب هذه القضية، عزل نجيب النائب العام مع وزراء تساءلوا عن دوره في الصندوق السيادي، وعيّن نائبا عاما جديدا برأ ساحته سريعا بعد أن قال إن هذا المبلغ عبارة عن تبرع لحزبه من أحد أفراد العائلة المالكة بالسعودية.
وسارع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للتصريح الشهر الماضي بأن المبلغ كان "تبرعا دون مقابل" من السعودية لنجيب.
وبالإعلان عن أكبر عملية مصادرة في تاريخ ماليزيا اليوم، عاد للأضواء اسم عقيلة عبد الرزاق روسمة منصور التي طالما أثارت الجدل في ماليزيا إزاء البذخ والترف الذي تعيشه.
حقائب ومجوهرات روسمة
وعندما قامت الشرطة الماليزية بعمليات المصادرة من أحد المباني الفاخرة التي يشارك عبد الرزاق في امتلاكها، تساءل الماليزيون عن عشرات الحقائب الفاخرة التي ظهرت في الصور، والصناديق التي ظهرت عليها شعارات لعلامات عالمية شهيرة، ليتبين اليوم أنها جميعها تعود لزوجة عبد الرزاق.
ومنذ هزيمة عبد الرزاق وملاحقته منذ اليوم التالي بتهم الفساد، كانت زوجته حاضرة في كل تفاصيل التهم، لا سيما بعد أن صادرت الشرطة بعد يومين من الانتخابات نحو ثلاثمئة صندوق حقائب يد من علامات تجارية عالمية، وعشرات الحقائب التي تحتوي على أموال ومجوهرات من شقق تابعة لأسرة عبد الرزاق، وذلك تزامنا مع انتشار صورة لمهاتير يرتدي فيها حذاء سعره ثلاثة دولارات، مما أثار مقارنات بين الزعيمين.
في الأسابيع الماضية استعاد نشطاء ماليزيون على مواقع التواصل قصصا وصورا عديدة لروسمة وحياة البذخ التي عاشتها.
ضريبة صبغ الشعر
واحدة من هذه الصور كانت عام 2015 عندما اندلعت احتجاجات ضد خطط الحكومة فرض الحكومة ضريبة جديدة على المستهلكين، لتظهر روسمة منصور وتشتكي خلال كلمة ألقتها بمنتدى عام من فرض الضريبة، قائلة إنها أصبحت تدفع 1200 رينغيت (300 دولار) في جلسة واحدة لصبغ شعرها، وهو مبلغ يزيد عن الحد الأدنى للأجور في ماليزيا البالغ وقتها 900 رينغيت شهريا.
ومنذ هزيمة عبد الرزاق أصبحت روسمة منصور مادة لتقارير وسائل إعلام ونشطاء مواقع التواصل الذين تساءلوا: كيف أمكن لزوجة رئيس الوزراء دفع ثمن حياة البذخ هذه؟ وشبهها كثيرون بإيميلدا ماركوس التي تركت أكثر من 1200 زوج من الأحذية عندما أطيح بزوجها فرديناند ماركوس من رئاسة الفلبين عام 1986.
لكن روسمة (66 عاما) اعتادت على الدفاع عن أسلوب حياتها، إذ قالت في سيرة ذاتية صدرت عام 2013 لدى سؤالها عن انتقادات بسبب البذخ "هناك بعض الحلي والملابس التي اشتريتها من مالي الخاص، ما الخطأ في ذلك؟".
وبينما تصر ماليزيا على مكافحة أكبر عملية فساد بطلها رئيس وزرائها السابق، ينتظر الكشف عن دور دول عربية رئيسية فيها، ويتابع نشطاء عرب على منصات التواصل بنوع من الحسرة إصرار هذه الدولة على النهوض بعد عقود من الصعود، في وقت تغرق فيه كثير من بلدانهم بفساد يعرفون من تسبب به ولا يجدون سبيلا لمحاسبته.