يرى علي أكبر كياني، الباحث الإيراني أن الولايات المتحدة هي التي عبدت الطريق أمام نجاح إيران في الشرق الأوسط. وتساءل في مقال نشرته مجلة “ناشونال إنترست” عن صحة مزاعم إدارة الرئيس دونالد ترامب فيما يتعلق بدور إيران في إفشال محاولات أمريكا الليبرالية في الشرق الأوسط وان الولايات المتحدة كوفئت على المال والدم الذي أنفقته في الشرق الأوسط بانتهاكات آيات الله. ويقول إن الشرق الأوسط بشكل عام- والمنطقة الواقعة للغرب من آسيا هي فسيفساء من الهويات والبنى السياسية.
وتتميز بالتعقيدات والمصالح التي تداخلت بالقيم وظلت تغلي في بوتقة الأديان العالمية: اليهود والمسيحيون والمسلمون، شيعة وسنة بالإضافة لأديان مستقلة وغير مسقلة وطوائف إلى جانب العرقيات الأخرى: العرب والكرد والترك والفرس كلها أسهمت في تشكيل صورة غرب آسيا بشكل جعلتها استثنائية في العالم. ففي ظل هذه البوتقة احتفظت كل جماعة بهويتها ومصالحها التي تصادمت مع الجماعات الاخرى.
وظلت المنطقة مقسمة ولقرون بين الأتراك والفرس وعندما بدأ الوجود التركي والفارسي بالتلاشي وأخذت القوى البحرية الأوروبية بالسيطرة انهارت المنطقة حيث حاولت بريطانيا وفرنسا والبرتغال وهولندا وإسبانيا الحصول على جزء من الكعكة. وبعد الحرب العالمية الأولى رسمت خريطة جديدة للمنطقة وحلت بعد الحرب العالمية الثانية أمريكا محل القوى الأوروبية، حيث واجهت الاتحاد السوفييتي كعدو لها في المنطقة.
ومع أن الهويات ظلت ثابتة (باستثناء إسرائيل) فقد جاءت قوى عدة للمنطقة خلال القرن الماضي وذهبت. وظل هناك عامل واحد مستمر يطبع المنطقة ولم يذهب وهو الفوضى.
ويشير كياني إلى التوتر المتزايد في المنطقة ومنذ أربعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي حاولت فيها الولايات المتحدة السيطرة على أزمات المنطقة المتعددة مثل أزمة النفط الإيرانية والانقلاب والنزاع العربي- الإسرائيلي والثورة في عمان وانقلابات تركيا المتكررة، غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، الثورة الإسلامية في إيران، أزمة الرهائن وحرب العراق- إيران وغير ذلك. ويقول كياني إن الولايات المتحدة دفعت الكثير ولم تحصد إلا القليل، وهو ما دفع الرئيس باراك أوباما للتفكير بمغادرة المنطقة التي مثلت له سلسلة من التحديات المستمرة والمثيرة للإحباط.
وكان قرار أوباما أو سياسته سبباً في ترك المنطقة تحت رحمة الجماعات الوكيلة. وكانت إيران الدولة التي تداخلت مصالحها وبشكل متكرر مع المصالح الأمريكية. ويصف معظم المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين إيران بأنها جزء من “محور الشر” ويجب احتواؤها. وبدلاً من هذا فقد خدمت العمليات الأمريكية غربي آسيا إيران وأعطتها اليد العليا.
فالإطاحة بصدام حسين سهلت وصول الجماعات الشيعية للسلطة وكانت جائزة أوصلت حلفاء إيران للحكم. وجنت إيران الثمار نفسها في أفغانستان، فقد أدت هزيمة طالبان الساحة أمام إيران لاختراقها. وفي كلا الحالتين كانت قادرة على عقد صلات مع القوات المهزومة واستخدامها ضد أمريكا. وبعد أربعة عقود على الثورة الإسلامية فقد تغير الفضاء السياسي الإيراني وأصبح لديها لاعبون يمكنها الاعتماد عليهم في سياساتها الخارجية والإقليمية وضد عدوتها الرئيسية: أمريكا. واستطاعت إيران بناء دولة قوية من الداخل وعززت تأثيرها في المنطقة التي أنهت أمريكا عملياتها فيها.
والحالة الأخيرة هي سوريا التي قاتل فيها الأمريكيون والروس والأوروبيون والعرب والأتراك والإيرانيون تنظيم “الدولة”. وكانت هزيمة الجهاديين أكبر إنجاز للحكومة السورية، حليفة إيران. وبعد نهاية الجهاديين زعمت أمريكا وإسرائيل أن إيران قد تقوم باستخدام المناطق المحررة للقتال ضد القوى الغربية في سوريا. إلا ان المعضلة الأمنية التي تواجه منطقة غرب آسيا لا يمكن حلها بسهولة.
ويرى الكاتب أن أمريكا تقوم بتعقيد الوضع من خلال التقرب من السعودية ودعم حملتها الجوية في اليمن وربما مع إسرائيل ضد إيران. ويقول إن اليمن حالة أخرى انتفعت منها إيران. ويظل التعاون الحالي بين طهران وأنقرة وموسكو في سوريا دليلاً آخر على فشل أمريكا الاستراتيجي في المنطقة. وليس من السهل الآن دفع إيران من المناطق التي سيطرت عليهاـ وفي استمرار تضارب الهويات والمصالح فإيران هي المستفيد. وتفهم الولايات المتحدة اليوم أن المال والدم الذي ضحت به خدم إيران من طرق عدة.