اعتبرت مجلة "ذا نيشن" الأميركية، مؤخراً، أن قطر نجحت، بشكل كبير، في التغلب على الحصار الذي فرضته دول عربية، بينها 3 خليجية، على الدوحة قبل أكثر من نصف عام، وذلك بمرونة اقتصادها وعلاقات الدبلوماسية بالأشخاص الناضجين في إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وقال خوان كول، الأستاذ بجامعة ميشيغان الأميركية، في تقرير لـ"ذا نيشن"، إن السعودية والإمارات، الغنيتين بالنفط، حاولا السيطرة على دولة قطر في 5 يونيو/حزيران 2017.
وبحسب المجلة الأميركية، لم تحاول القوى العربية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بشكلٍ جذريٍ كهذا منذ غزو صدام حسين للكويت في الثاني من أغسطس/آب 1990. هذه المرة، وقف الرئيس الأميركي مع "المعتدين" بدلاً من وضع حدٍ للأمر. ورغم تعداديهما السكاني واحتياطياتهما النفطية الأكبر بكثير وقدرتهما الإعلامية الدعائية، ومواردهما العسكرية الأضخم، تلقَّت الرياض وأبوظبي هزيمة مهينة. فكيف تفوقت قطر الصغيرة على خصميها؟
كيف تفوقت قطر على خصومها؟
وبحسب المجلة الأميركية، تخلَّى محمد بن سلمان ولي عهد السعودية (32 عاماً)، ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة (56 عاماً)، عن هدوء أسلافهما، وسعيا لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. فهما يشنان حرباً دموية ومدمرة في اليمن، وحاولا إجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة، وتواطآ مع الجيش المصري للقيام بانقلابٍ وسحق محتجي الربيع العربي الشباب.
ونصَّب الاثنان نفسيهما مناهضَين للنفوذ الإيراني في العالم العربي، لكنَّ ما يخشيانه حقاً هو أي سياسة شعبية خارج نطاق سيطرتهما. وليست مصادفة إذن أن تكون علاقتهما بتونس ولبنان مضطربة، وهما البلدان العربيان الوحيدان اللذان بهما انتخابات حقيقية، كما تقول المجلة.
وكان وزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية، قد كشف مؤخراً، أنَّ السعودية والإمارات استعدتا لغزوٍ عسكري لبلاده. وقيل إنَّ الرياض حرَّضت بعض قبائل قطر التي لديها فروع على جانبي الحدود مع السعودية، على إثارة الفتنة دون جدوى، بحسب المجلة الأميركية.
وقد فرض المعتديان، اللذان شكَّلا مع مصر والبحرين رباعياً ضد قطر، حصاراً اقتصادياً على الدولة الغنية بالنفط والغاز؛ بل وأغلقا مجاليهما الجوي أمام الخطوط الجوية القطرية. وتحتاج قطر لاستيراد المواد الغذائية لسكانها، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نحو 90٪ منهم من العمالة الوافدة الذين تجتذبهم الوظائف التي تولِّدها صناعة الغاز الطبيعي في قطر وكل المؤسسات الاقتصادية التي أقامتها.
واعتادت قطر تلقّي الأغذية براً من بلدان مثل الأردن عبر السعودية، لكنَّ السعوديين، الجيران المباشرين الوحيدين لقطر، أغلقوا الحدود. وبدأت حملة دعائية ضد قطر في الغرب، وحصل عضو البرلمان البريطاني دانيال كاويزنسكي على أكثر من 20 ألف دولار؛ للتحدث في مؤتمرٍ مناهض لقطر في لندن، بحسب المجلة الأميركية.
تحرُّك قطري سريع
وبحسب المجلة الأميركية، كانت الخطوة الأولى التي اتخذتها الحكومة القطرية، هي التوصل مع تركيا؛ إذ تدخَّلت أنقرة لمنع الغزو المباشر، عبر التسريع في تفعيل الاتفاقية العسكرية بين البلدين، التي بموجبها أرسلت تركيا عدداً من قواتها إلى قاعدتها في قطر.
ثُمَّ كانت هناك مشكلة الرحلات الجوية؛ إذ تركت الإمبراطورية البريطانية تحت سيطرة البحرين مساحة ضخمة من المجال الجوي الخليجي، استغلتها المنامة لحرمان قطر من حقها في التحليق داخلها والتواصل مع مراقبي الحركة الجوية بها. سرعان ما تفاوضت قطر مع إيران، التي رحَّبت بإحباط الطموحات السعودية عبر السماح للرحلات القطرية بالمرور فوق أراضيها، مسترشدةً بمراقبي الحركة الجوية في شيراز. وبفضل إمكانية الوصول إلى المجال الجوي لإيران والعراق وتركيا، تمكَّنت الخطوط الجوية القطرية من الالتفاف على الحصار الجوي الذي فرضه الرباعي، ولو أنَّ ذلك تسبَّب في تكاليف جديدة كبيرة، بحسب المجلة الأميركية.
ثُمَّ توجهت الدوحة إلى منظمة الطيران المدني الدولي التابعة للأمم المتحدة (إيكاو)، وحصلت على حكم ضد البحرين والإمارات ومصر؛ لمحاولتها إغلاق المجال الجوي بشكل تعسفي، على الرغم من توقيعها على اتفاقية النقل الجوي الدولي.
وتستكمل المجلة الأميركية: "خفَّف بعد ذلك المتآمرون الثلاثة، الذين يمتلك اثنان منهم شركات طيران عالمية، قليلاً من نهجهم المتشدد (تراجعت البحرين وسمحت لمراقبي الحركة الجوية بالتحدث مع الطيارين القطريين). ومع ذلك، ألحق الحصار الجوي الضرر بمكاسب الخطوط الجوية القطرية، على الرغم من الخطط الطموحة للتوسع شرقاً (الطرق التي لم تتأثر بالمقاطعة السعودية)".
بدأت قطر باستيراد المزيد من الطعام جواً وبحراً، ولم يكن هناك أي نقص على الإطلاق، عكس ما روَّجت له بعض التقارير في ذلك الوقت، وبدأ القطريون بالزراعة والبستنة؛ بل واستوردوا بعض الأبقار لحلبها، معتمدين في ذلك على محطة تحلية المياه في البلاد. وبينما زادت تكلفة بعض المواد الغذائية، خاصة بالنسبة للعمال الأجانب، أثبت الاقتصاد مرونته؛ إذ لم تتأثر صادرات الغاز بالأزمة. كانت قطر من أوائل منتجي الغاز الكبار الذين انتقلوا إلى الغاز الطبيعي المُسال، وهي التقنية التي تسمح بتخزين الغاز في الحاويات وشحنه. وبما أنَّ الرباعي لم يجرؤ على فرض حصار بحري (وهو ما يُعَد إعلاناً للحرب وفق القانون الدولي)، فقد تمكَّنت قطر من إبقاء الصادرات ثابتة. واستمرت الإمارات في استيراد الغاز من عدوها اللدود! بحسب المجلة الأميركية.
تحرُّك من أجل السطو!
وبحسب المجلة الأميركية، لم تتمكن البلدان المحاصِرة من أن تقول بالضبط لماذا تعاملت مع قطر بهذه الطريقة. لكنَّها في نهاية المطاف، أخرجت 13 مطلباً. وطالب الرباعي بما وصفوه بتعويضاتٍ عن الخسائر في الأرواح، الناجمة عن سياسات قطر الأخيرة. بعبارة أخرى، اعترفوا بوضوحٍ بأنَّ التحرك ضد الدولة الخليجية الصغيرة كان مجرد سطو. (قطر، التي يبلغ عدد سكانها أقل من 300 ألف نسمة، يبلغ إجمالي ناتجها المحلي نحو 160 مليار دولار، ما يضعها بالقرب من بلدان أكثر كثافة سكانية مثل اليونان ونيوزيلندا، وتملك صندوق ثروة سيادية تبلغ قيمته نحو 300 مليار دولار، وهو هدف مغرٍ لمحمد بن سلمان، الذي غرَّم طبقة رجال الأعمال السعودية 100 مليار دولار؛ بسجنهم تعسفياً في فندق ريتز-كارلتون بالرياض).
وأضافت: "أرادوا أن تقطع قطر علاقاتها مع إيران، وهو أمرٌ مستحيل؛ لأنَّ الدولتين تتشاركان حقل غازٍ كبيراً في مياه الخليج. وقطر ليست قريبة من إيران، لكن لديها علاقات معتدلة معها، وإن كانت تكتيكات المافيا المتثاقلة للرباعي تسبَّبت في شيء، فهذا الشيء هو تدفئة تلك العلاقات. وأرادوا من قطر إغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة، وأرادوا أن تُوقِف قطر دعمها جماعة الإخوان المسلمين، التي يُصنِّفونها بصورةٍ خاطئة كجماعة إرهابية، واتهموا زوراً الدولة السُنّيّة جداً بدعم حزب الله اللبناني الشيعي. وأرادوا إجراء عمليات تدقيق شهرية؛ للتأكُّد من امتثال قطر لمطالبهم. كان هذا الإنذار النهائي الواسع يرقى إلى المطالبة بتسليم قطر سيادتها كدولة. ورفض الشيخ تميم بشدةٍ، المطالب ورفض حتى الحديث مع الرباعي حول أيٍّ منها، وهو الموقف الذي صنع منه بطلاً شعبياً في قطر.
"تضليل ترامب الساذج"
وبحسب "ذا نيشن"، فإنه "مع أنَّ السعوديين ضلَّلوا في البداية ترامب الساذج كي يدعم حملتهم ضد قطر، فإنَّ وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، غيَّرا بمرور الوقت رأي ترامب وأقنعاه بأنَّ الخلاف بين المَلَكيات الخليجية، المنضوية ضمن مجلس التعاون الخليجي، لا يفيد إلا إيران، علاوة على ذلك، كانت النخبة القطرية على معرفة جيدة بكلا الرجلين. فبصفته قائداً سابقاً لقوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) وقائداً سابقاً للقيادة المركزية الأميركية، كان ماتيس يألف قاعدة العديد الجوية، القاعدة الأميركية الموجودة في قطر، ويدرك جيداً قيمتها. وكان لتيلرسون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل، علاقات عمل طويلة مع الدوحة".
وفي نهاية يناير/كانون الثاني 2018، حضر تيلرسون وماتيس حواراً قطرياً-أميركياً استراتيجياً، كال فيه الوزيران الثناء الواسع على قطر، باعتبارها شريكاً أمنياً للولايات المتحدة. وكان ذلك الخطاب مختلفاً بـ180 درجة عن تغريدات ترامب المتسرعة الصيف الماضي، والتي اتهم فيها قطر بأنَّها دولة مارقة ومنبع للإرهاب، بحسب المجلة الأميركية.
باختصار، انتصرت قطر جزئياً باستمالتها الناضجين في إدارة ترامب.
وختمت المجلة الأميركية قائلةً: "يُستبعَد أن تنتهي الأزمة قريباً، جزئياً لأنَّ الرباعي قدَّموا مطالب مُبالِغة لدرجة جعلت من الصعب عليهم التراجع، وجزئياً لأنَّ ثقة القطريين بجيرانهم تآكلت بصورة عميقة ودائمة. والأرجح هو أنَّ مجلس التعاون الخليجي قد انتهى كمؤسسة أمنية، وماتيس وتيلرسون محقان في أنَّ إيران من بين أكبر المستفيدين من تفكُّكه المحتمل. ستبقى قطر الصغيرة بصورةٍ جيدة تماماً، وستسلك طريقها الخاص، وبصورةٍ أكثر علانيةً من أي وقتٍ مضى. وأصبح الاعتقاد بأنَّ المحمدين، اللذين يتمتعان بشهيةٍ كبيرة ومتنامية للسيطرة على أرض وثروة جيرانهم، سيستحوذان عليها ببساطة- أمراً مُستبعَداً على نحوٍ متزايد. وبسبب دور قطر في دعم خطابٍ أكثر حرية وتعددية بالمنطقة، قد تكون هذه النتيجة فاصلةً لمصير الشرق الأوسط".