حينما اندلعت الاحتجاجات ضد النظام الحكم في إيران أواخر الشهر الماضي، كان رد الفعل من جانب القوتين السنيّتين الرئيسيتين بالمنطقة مختلفاً تماماً.
فقد ابتهجت بهدوء المملكة العربية السعودية، التي تضطلع بالمسؤولية عن خدمة الحرمين الشريفين وتتطلع إلى زعامة العالم السني بأكمله، جراء الأزمات المفاجئة التي تواجهها إيران، وفق ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
واشتعلت وسائل الإعلام العربية التي تخضع لسيطرة المملكة بتغطيات حماسية للمتظاهرين الذين يطالبون بسقوط الجمهورية الإسلامية ويعترضون على تورط إيران في كل من سوريا والعراق.
في المقابل اتخذت تركيا، التي كانت تسيطر على الحكم في مكة والمدينة على مدار حقبة من الزمن تتجاوز فترة حكم آل سعود والتي لا ترغب في إخضاع مصالحها للرياض، موقفاً معاكساً، حسب ما قالت الصحيفة
وسرعان ما اتصل الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئيس الإيراني حسن روحاني كي يعرب له عن دعم أنقرة للتدابير التي تتخذها إيران في مواجهة الاحتجاجات.
ماذا يعني هذا الاختلاف ؟
ويرى العديدون في الشرق الأوسط أن هذا الاختلاف يسلط الضوء مرة أخرى على حقيقة أن أي تفكير في "تكتل سني"، ناهيك عن تكتل تتزعمه الرياض، لمجابهة القوة الإيرانية في المنطقة هو أمر وهمي لا يمكن تحقيقه.
ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أظهر تأييده لمزاعم السعودية في زعامة المنطقة خلال رحلته إلى الرياض في العام الماضي، إلا أن الحقيقة تتمثل في أن الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تلتزم بشدة بسياسات المملكة.
وتشارك القوى الأخرى – تركيا ومصر وبالطبع قطر المجاورة للمملكة – في صراع قوى معقد ومتعدد الأبعاد لا علاقة له بالانقسام الطائفي الذي يسود منطقة الشرق الأوسط.
ورغم سخاء المساعدات السعودية التي تتلقاها، إلا أن مصر أيضاً لا ترغب في الانضمام إلى التكتل المعادي لإيران. فالرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح بمحمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في انقلاب عام 2013، يناصب أردوغان العداء الشديد – جراء دعمه لقضايا الإخوان المسلمين – بصورة أكبر من عدائه لقادة إيران.
واحتفظت القاهرة خلال عهد السيسي بعلاقات دافئة أيضاً مع نظام بشار الأسد الذي تدعمه إيران، والذي حاولت المملكة العربية السعودية المساعدة في الإطاحة به.
المصالح السياسية تطغى
وقال باسل سالوخ، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت: "في النهاية، فإن المصالح الجغرافية السياسية هي التي تملي مصالح الدول في المنطقة، وليس الهوية الطائفية، رغم أن تلك الدول قد تستغل هذا الخطاب الطائفي".
ولا تكاد توجد أرضية مشتركة بين تركيا والإمارات، التي تناصب الإخوان المسلمين العداء، كما أنها أيضاً دولة تنافس تركيا في المنطقة – وخاصة فيما يتعلق بخطوط الملاحة البحرية الاستراتيجية في القرن الإفريقي، حيث أقامت الدولتان العديد من القواعد العسكرية ودعما وكلاء متنافسين. ويتشكك العديد من مساعدي أردوغان في تورط الإمارات في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 ضد الرئيس التركي، وهو الأمر الذي أنكره المسؤولون الإماراتيون.
وقال سنان أولجان، الدبلوماسي التركي السابق ورئيس مركز بحوث إيدام في إسطنبول: "ترى أنقرة أن دولة الإمارات تحاول أن تمارس نفوذاً أكبر مما يمكن أن تحظى به بحكم حجمها وهيكل قوتها ومجموعة العلاقات التي تتمتع بها. فالإمارات ليست كالمملكة العربية السعودية وترى أنقرة أنها تسعى وراء محاولة إلحاق الأذى بتركيا".
وتساعد المطالبات التاريخية – وخاصة إرث الإمبراطورية العثمانية – على تأجيج تلك المنافسة. وتتمثل إحدى أحدث المشاحنات الغريبة التي وقعت بين الطرفين في المشاحنة التي جرت بين أردوغان ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد حول القائد العثماني فخر الدين باشا.