في مايو/أيار الماضي، رافق جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أثناء زيارته الدبلوماسية لإسرائيل، كجزءٍ من المهمة التي كُلِّف بها كوشنر من البيت الأبيض لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
وجاءت هذه الزيارة قبل فترةٍ وجيزةٍ من حصول شركة العقارات المملوكة لعائلته على استثماراتٍ بقيمة 30 مليون دولار أميركي من "مينورا ميفتاشيم"، شركة التأمين التي تُعد واحدةً من أكبر المؤسسات المالية داخل إسرائيل، بحسب تصريحات أحد مسؤولي الشركة.
وساهمت الصفقة، التي لم يُعلَن عنها، في ضخ أسهمٍ جديدةٍ إلى 10 مجمعاتٍ سكنيةٍ تمتلكها شركة كوشنر بولاية ميريلاند.
ورغم بيع كوشنر لجزءٍ من أعماله التجارية منذ توليه منصبه في البيت الأبيض العام الماضي، لكنه لا يزال يمتلك أسهماً في معظم أركان الامبراطورية المالية المملوكة لعائلته – بما في ذلك المباني السكنية داخل وخارج مدينة بالتيمور، أكبر مدن ولاية ميريلاند، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
الصفقة الأحدث بين كوشنير وإسرائيل
وتُعتبر صفقة مينورا أحدث الاتفاقيات المالية التي ظهرت للعلن بين شركة عائلة كوشنر وشركائها الإسرائيليين، إذ شملت واحدةً من أغنى العائلات في البلاد وبنكاً إسرائيلياً كبيراً يخضع للتحقيق الجنائي في الولايات المتحدة.
ويبدو أن هذه المعاملات التجارية لا تُخالف القوانين الأخلاقية الفيدرالية التي تفرض على كوشنر أن يعفي نفسه من اتخاذ القرارات الحكومية المحددة ذات "التأثير المباشر والمتوقع" على مصالحه المالية. ولم تظهر أدلةٌ تُؤكِّد على انخراط كوشنر في مفاوضات الصفقة بشكلٍ رسمي.
لكن الصفقة التي عُقِدَت في الربيع الماضي تُظهِر كيف يستمر توطيد العلاقات التجارية المُكثَّفَة بين مجموعة كوشنر كومبانيز وإسرائيل، بالرغم من دوره الدبلوماسي البارز في الشرق الأوسط.
وقد تُقلِّل هذه الصفقة من قدرة الولايات المتحدة على الظهور في صورة الوسيط المستقل في عملية السلام بالمنطقة. وكانت إدارة ترامب قد أشعلت حدة التوترات في المنطقة بالفعل بعد أن أعلنت الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول، اعترافها بالقدس كعاصمةٍ لإسرائيل ونيتها نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى هناك.
هل تؤثر مصالح كوشنير التجارية على قراراته السياسية؟
وقال ماثيو تي ساندرسون، المحامي بمكتب كابلين أند دريسديل المختص بقضايا الأخلاقيات الحكومية في واشنطن والمستشار العام السابق لحملة راند بول الرئاسية: "أعتقد أنه من المنطقي أن يطرح الناس تساؤلاتٍ عن مدى تأثير مصالحه التجارية على قراراته".
وصرح راج شاه، نائب السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، أن إدارة ترامب لديها "ثقة كبيرة في الدور الذي يضطلع به كوشنر لقيادة جهود السلام الأميركية، علاوةً على احترامه الجاد للقواعد الأخلاقية، ونثق أنه لن يسمح بوضع نفسه أو الحكومة في موقفٍ محرجٍ على الإطلاق".
وأعلنت كريستين تايلور، المتحدثة باسم "كوشنر كومبانيز"، أن الشركة لديها شركاء في جميع أنحاء العالم. وأضافت أن الشركة "لا تتعامل تجارياً مع قادة الدول والحكومات، كما لا يوجد ما يمنع الشركة من التعامل مع أي شركةٍ أجنبية لمجرد أن جاريد يعمل في الحكومة".
وأوضح ران ماركمان، رئيس قسم العقارات في مينورا التي تُعتبر أكبر مديرٍ لصناديق المعاشات في إسرائيل، أن مينورا عقدت في السابق العديد من الصفقات العقارية، وكان عددٌ من تلك الصفقات داخل الولايات المتحدة. وأضاف ماركمان أنه لم يسبق له لقاء كوشنر. وتابع أنه اجتمع بلورينت مورالي، رئيس كوشنر كومبانيز، أثناء المفاوضات بين الشركتين لعقد الصفقة.
وقال ماركمان: "لم تكن العلاقات المزعومة لجاريد كوشنر ودونالد ترامب سبباً في عقد الصفقة. إذ لا يتعلَّق الأمر بعلاقتنا بالرئيس الأميركي. فتلك العلاقات لم تدفعنا لعقد الصفقة ولم تُؤثِّر علينا لرفضها".
واستقال كوشنر من منصبه كرئيسٍ تنفيذيٍ لكونشر كومبانيز بعد انضمامه للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي. لكنه يظل المستفيد من مجموعةٍ من الصناديق الاستثمارية التي تمتلك أسهماً في عقارات كوشنر وغيرها من الاستثمارات. وتُقدَّر قيمة تلك الأسهم بحوالي 761 مليون دولار أو أكثر، وفقاً لسجلات الأخلاقيات الحكومية، وتأتي هذه التقديرات صافيةً من الديون الضخمة المتراكمة على الشركة التي عقدت صفقاتٍ تبلغ قيمتها حوالي 7 مليارات دولار خلال العقد الماضي.
مباني بالتيمور "كوشنير"
وكانت مباني بالتيمور، التي استثمرت فيها شركة مينورا، موضوع مقالٍ نُشر في صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي بواسطة أحد مراسلي بروبوبليكا، المنظمة الإخبارية غير الربحية المُتخصِّصة في الصحافة الاستقصائية. ووثَّقَ المقال الأوضاع المعيشية المتردية والسياسات العدوانية التي تتبعها كوشنر كومبانيز في التعامل مع السكان، بما في ذلك الحجز على الحسابات البنكية للسكان محدودي الدخل وإغلاق أنظمة التدفئة وقطع الماء الساخن.
وأعلن البيت الأبيض أن كوشنر يتعاون مع مستشاريه الأخلاقيين للتأكد من أنه أعفى نفسه من "أي شأنٍ يخص أطرافاً بعينها تربطه بهم علاقات تجارية يُمكن أن تؤثر على قراره في ذلك الشأن".
وصرح أحد المسؤولين في البيت الأبيض أن كوشنر باع أسهمه في العقارات التي يُمكن أن تُشكِّل تعقيداً من الناحية الأخلاقية. فعلى سبيل المثال، باع كوشنر أسهمه في مقر الشركة الرئيسي، الواقع في 666 فيفث أفينو في مانهاتن، وتبحث الشركة الآن عن مستثمرين جدد حول العالم.
قصة لا أساس لها من الصحة
وصرح أبي دي لوويل، أحد محامي كوشنر، في بيانٍ رسمي: "لم يشارك جاريد كوشنر أو يتحدث عن أيٍ من أنشطة ومشاريع كوشنر كومبانيز منذ فترةٍ تعود إلى ما قبل حفل التنصيب. إذ أن لديه اتفاقاً أخلاقياً يلتزم به التزاماً كاملاً، بعد مراجعته من قبل المحامين. والربط بين زياراته المعلنة للشرق الأوسط وأي شيءٍ يتعلق بكوشنر كومبانيز وأعمالها التجارية هو محض هراء ومحاولةٌ لاختلاق قصةٍ لا أساس لها من الصحة".
لكن ساندرسون علق قائلاً: "تبدو معاييرهم وكأنهم يقولون: هناك تضاربٌ في المصالح عندما نعتقد أنه كذلك، ونحن من نقرر وجود التضارب من عدمه".
ويرى روبرت وايزمان، رئيس منظمة بابليك سيتيزن، وهي مجموعة غير حكومية لحماية المستهلك، أن: "المشكلة تكمن في كون القوانين الأخلاقية صيغت بواسطة أناسٍ لم يمتلكوا البصيرة الكافية لتخيل وجود شخصٍ مثل دونالد ترامب أو جاريد كوشنر. لا يُمكن لأحد تخيل حجم المصالح التجارية القائمة. إذ يتخطى الأمر مزرعة فول سوداني محلية أو متجر أجهزةٍ اعتيادي، ليصل إلى مستوى الشركات العالمية المترامية الأطراف التي تمنح الرئيس ومستشاره الأول مصالحاً اقتصاديةً شخصيةً في عدد ضخمٍ من السياسات المتبعة".
وتُعتبر الصفقة التي عُقدت مع مينورا واحدةً من العلاقات التجارية العديدة التي تمتلكها كوشنر كومبانيز في إسرائيل.
بماذا تعاون كوشنير مع الإسرائيليين؟
1- في أبريل/نيسان، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن عائلة كوشنر تعاونت مع أحد أفراد عائلة شتاينميتز الثرية لشراء مبانٍ سكنية في مانهاتن بقيمة 200 مليون دولار، بالإضافة إلى بناء برجٍ للوحدات السكنية الفاخرة في نيو جيرسي. ويخضع بيني شتاينميتز، أشهر أفراد العائلة، حالياً لتحقيقٍ تُجريه في وزارة العدل الأميركية على خلفية اتهاماتٍ بالرشوة. ونفى شتاينميتز ارتكابه لأي أعمالٍ مخالفة.
2- حصلت شركة كوشنر على أربعة قروضٍ على الأقل من بنك هبوعليم، أكبر بنكٍ في إسرائيل، والذي يخضع لتحقيقٍ تُجريه وزارة العدل الأميركية على خلفية اتهاماتٍ بمساعدته لعدد من الأثرياء الأميركيين على التهرب من الضرائب.
3- اشترت الشركة عدداً من الطوابق في مبنى المقر الرئيسي السابق لصحيفة نيويورك تايمز بمانهاتن من ليف ليفييف، رجل الأعمال الإسرائيلي صاحب العديد من الأعمال الخيرية.
4- تواصل مؤسسة عائلة كوشنر التبرع بالأموال لصالح مجموعةٍ استيطانيةٍ في الضفة الغربية.
وتطرَّق التحقيق الذي يُجريه روبرت إس مولر، المحقق الخاص المُكلَّف بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، إلى علاقة كوشنر الوطيدة بالمسؤولين الإسرائيليين.
ووفقاً للوثائق التي قدَّمَها مكتب مولر، تحدَّث مايكل فلين، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في إدارة ترامب، مع السفير الروسي قُبيل التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإدانة بناء إسرائيل للمستوطنات في أواخر عام 2016. وطلب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، من الفريق الانتقالي التابع لحملة ترامب أن يضغط على دولٍ أخرى من أجل مساعدة إسرائيل، وفقاً لمصادرٍ مطلعةٍ على المسألة.
وأوضحت وثائق المحكمة أن "عضواً بارزاً للغاية" في الفريق الانتقالي لحملة ترامب أمر فلين بمناقشة القرار. ويعتقد محامو ترامب أن المساعد الذي لم يُذكر اسمه هو كوشنر، بحسب أحد المحامين المطلعين على الأمر.
وقال ريتشارد دبليو باينتر، المحامي الأخلاقي السابق للرئيس جورج بوش الإبن والأستاذ بكلية الحقوق في جامعة منيسوتا: "يتساءل الكثيرون عما إذا كانت الولايات المتحدة وسيطاً نزيها لعملية السلام في الشرق الأوسط. وبالنظر إلى مواقف حكومة ترامب، نجد أنها أكثر عرضة لمثل هذه الشكوك. والآن تُرسل الولايات المتحدة مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط، يُعرف شخصياً بأنه من أصحاب الأراء المتشددة. كما أنه يحصل على أموالٍ من المواطنين الأثرياء والشركات في بلدٍ بعينه. ونحن الآن في موقفٍ سيستغله أولئك الذين يكرهون الولايات المتحدة أسوأ استغلال. وسيجعل الأوضاع أسوأ بكثير".