نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لمدير مجموعة الأزمات الدولية روبرت مالي، حدد فيه أهم 10 نزاعات تواجه العالم في عام 2018، وقال المسؤول السابق في البيت الأبيض في الفترة ما بين 2015-2016، إن كوريا الشمالية ستكون أهم تحد للإدارة الأمريكية، واحتمالات التصعيد واردة.
ويجد الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن طريقة التعامل مع الملف الكوري وغيره مرتبطة بتصرفات الرئيس دونالد ترامب المتقلبة على الساحة الدولية، وتغريداته، وعدم احترامه للأعراف الدولية، واستعداده لتجاوز الدبلوماسيين، الذين يعملون معه، بالإضافة إلى "اختياره الغريب للخصوم والأكثر غرابة اختياره للأصدقاء".
ويرى مالي أن "هناك ثلاثة توجهات للسياسة الأمريكية، وهي ليست بالضرورة من صنع ترامب، بل هي سابقة له، أولها التراجع الأمريكي، وهو أمر يحدث منذ سنوات، وسرّعته التجربة الأمريكية في العراق عام 2003".
ويقول الكاتب إن "شعار ترامب (أمريكا أولا) يعبر عن المحلية المسمومة والإقصائية، وعدم التسامح مع الرؤية العالمية الأوسع، وفشله في معرفة قيمة التحالفات وأهميتها للمصلحة القومية الأمريكية، لكن تمحور أمريكا على نفسها مرتبط بالضرورة بالمستوى، خاصة أن لدى الولايات المتحدة 200 ألف جندي عامل في الخارج، بقدر ما يتعلق بقدرتها على التحكم بالأحداث أو تشكيلها حول العالم، فتراجعت القوة الأمريكية بحيث خلقت مجتمعا متعدد الأقطاب، يلعب فيه اللاعبون من غير الدول دورا مهما".
ويشير مالي إلى أن "الاتجاه الثاني هو عسكرة السياسة الخارجية، ويمثل هذا استمرارا مثلما هو تراجع في الوقت ذاته، فترامب يعبر عن احترام للجنرالات وازدراء للدبلوماسيين".
ويلفت الكاتب إلى أن "الاتجاه الثالث يشير إلى تراجع التوافقات المتعددة الأقطاب، ففي الوقت الذي حاول فيه باراك أوباما، وبنجاحات نسبية، التعويض عن تراجع الدور الأمريكي، من خلال بناء اتفاقيات دولية، مثل الاتفاقية النووية الإيرانية، التي خرج منها ترامب عمليا، فإنه في حالة أوباما كانت استراتيجيته تقوم على التشارك في العبء، وفي المقابل يعمل ترامب على التخلص من الأعباء".
ويقول مالي: "بحسب قائمة النزاعات العشرة، التي ترى مجموعة الأزمات الدولية أنها ستسيطر على عام 2018، فإن كوريا الشمالية هي أهم نزاع، حيث أن استمرار النظام في بيونغ يانغ في اختبار الصواريخ والأسلحة النووية، مترافقا مع الخطاب الأمريكي الداعي للقتال، قد يقود إلى مواجهة نووية كارثية، فالاختبارات الصاروخية العابرة للقارات التي قامت بها كوريا الشمالية تؤشر إلى إصرارها على تعزيز قدراتها العسكرية، ولم يصدر عن أمريكا سوى عنتريات ورسائل غامضة حول التسوية الدبلوماسية، وتطبق واشنطن في الوقت الحالي (استراتيجية الضغوط الكبرى)، من خلال العقوبات، وإقناع الصين تغيير سلوك جارتها، والقيام بمناورات عسكرية، وتأكيد أنها لا تخشى المواجهة العسكرية، وترى أمريكا أن نهجها ناجح، لكنه يعني سباقا مع الزمن، فالعقوبات لن تقرص النظام بل المواطنين، بالإضافة إلى أن الصين تخشى من اقتراب الحرب إلى حدودها، في حال تم الضغط على جارتها الكورية الشمالية، ودون وجود إطار دبلوماسي للحل فإن واشنطن ستورط نفسها في حرب غير محسوبة العواقب".
ويبين الكاتب أن "التحدي الثاني هو التنافس الأمريكي السعودي الإيراني، الذي سيتجاوز كل نزاع؛ بسبب صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسياسة ترامب العدوانية نحو إيران، وخسارة تنظيم الدولة مناطقه، ما يسمح لواشنطن والرياض بالتركيز على طهران".
ويقول مالي إن "ملامح الاستراتيجية الأمريكية السعودية ضد إيران تقوم على الردع، وتستخدم أشكالا من الضغط لاحتواء إيران والضغط عليها وإجهادها، ودفعها للتوقف عن طموحاتها، وتضم ملامح اقتصادية (عقوبات) ودبلوماسية (شجب أمريكي ومحاولة السعودية الفاشلة مع رئيس وزراء لبنان سعد الحريري) وعسكرية (الحملة السعودية في اليمن وإسرائيل في سوريا)".
ويستدرك الكاتب بأن "ميزان القوة لا يزال في صالح إيران وحلفائها، فرئيس النظام السوري بشار الأسد، المدعوم من روسيا، وطد أركان حكمه، وفي العراق تحصن المليشيات الشيعية نفسها داخل الدولة، وساعد الدعم القليل الذي قدمته إيران للحوثيين على مواجهة التحالف السعودي، بل حتى شن هجمات صاروخية على الرياض، ولم تستطع هذه رغم موقفها المتشدد تغيير ميزان القوة لصالحها، كما تظهر حالة الحريري والفشل في تفكيك تحالف صالح الحوثيين، الذين قاموا بقتل الرئيس السابق".
ويفيد مالي بأن "الأزمة الثالثة هي أزمة مسلمي الروهينغا في ميانمار، التي دخلت منعطفا خطيرا بشكل يهدد تجربة ميانمار الديمقراطية واستقرارها مع بنغلاديش والمنطقة بشكل عام، ورغم فرض الغرب عقوبات مستهدفة ضد رموز في النظام البورمي، إلا أنها لن تترك أي أثر على الوضع، مثلما لن يكون للاتفاق بين بورما وبنغلاديش تلك الفاعلية وإعادة اللاجئين، فهؤلاء لن يعودوا طالما لم يحصلوا على حقوقهم وحرية الحركة واستخدام مؤسسات الدولة والجنسية والخدمات الإنسانية، ورغم محاولات بنغلاديش إقناع ميانمار بإعادة اللاجئين، إلا أنها تعترف بشكل خاص بعبثية المحاولة، وليست لديها السياسات الواضحة حول كيفية التعامل مع مليون لاجئ على حدودها الجنوبية مع ميانمار في المديين القصير والطويل".
ويقول الكاتب إن "الوضع في اليمن يعد الازمة الرابعة، ففيه 8 ملايين يمني على حافة الجوع، ومليون مصاب بمرض الكوليرا، و 3 ملايين نازح في داخل البلاد، وعليه فإن الأزمة في اليمن مرشحة للتصعيد هذا العام، ومع فشل محاولة علي عبدالله صالح الانقضاض على الحوثيين، ودفعه حياته ثمنا لذلك، إلا أن التحالف السعودي لا يزال يؤمن بالحل العسكري، وبالتالي سيزيد من هجماته العسكرية التي سيدفع ثمنها المدنيون اليمنيون، وستواصل إيران دعم الحوثيين لتوريط السعوديين أكثر، وكلما انتشرت الفوضى في الساحة الخلفية للمملكة كانت هناك فرص لانتشارها عبر الحدود إلى داخلها، وسيواصل الحوثيون نقل المعركة للداخل، من خلال إطلاق صواريخ على السعودية ودول الخليج الأخرى، وبالنسبة للحل السياسي فإنه أصبح منظورا بعيدا، فالحوثيون الذين يشعرون بالقوة لن يتنازلوا، أما المؤتمر الشعبي العام فسيتفكك أكثر ويعيش الجنوب انقساما؛ بسبب الخلافات بين أنصار عبد ربه منصور هادي والحراك الجنوبي الذي تدعمه الإمارات".
وينوه مالي إلى أن "أفغانستان هي الأزمة الخامسة المرشحة للتصعيد في عام 2018، حيث تدعو الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لعمليات عسكرية ضد حركة طالبان، وزيادة في الجنود، وهجمات من القوات الأفغانية، والهدف من هذا كله هو وقف زخم حركة طالبان ودفعها إلى طاولة المفاوضات، التي تسيطر الآن على مناطق أكثر من عام 2001، وهي مجهزة عسكريا وقادرة على شن هجمات واسعة تفقد ثقة المواطنين بالحكومة في كابول، وتواجه حكومة أشرف غاني الانتقادات من نقادها، الذين يرون أن السلطة تتركز في يد مجموعة من المسشارين، وهذه وصفة للأزمات السياسية، وتقوم استراتيجية أمريكا على الضغط على باكستان، إلا أن الحسابات التي تبنى عليه هذه الاستراتيجية لن تدفع إسلام أباد لتغيير موقفها، وعلاوة على هذا كله تتمتع حركة طالبان بعلاقات مع إيران وروسيا، اللتين تريان فيها قوة حاجزة ضد فرع تنظيم الدولة في أفغانستان".
ويرى مالي أن "سوريا هي الأزمة السادسة، فبعد سبعة أعوام من الحرب أصبح لنظام بشار الأسد اليد العليا، وهذا بسبب الدعم الروسي والإيراني، ولم يتوقف القتال بعد، ولا تزال مساحات شاسعة خارجة عن سيطرة الحكومة، وهناك خلافات بين القوى الإقليمية والدولية حول شكل التسوية، وتحولت سوريا إلى ساحة حرب بين الأطراف المتصارعة، وبعد طرد تنظيم الدولة من الشرق فإن احتمالات التصعيد في مناطق أخرى لا تزال قائمة، وبالنسبة للنظام وقوات سوريا الديمقراطية فإن القتال ضد تنظيم الدولة كان وسيلة لغاية، وهي السيطرة على الأراضي والمصادر، وقد غاب تنظيم الدولة فالمواجهة محتملة بين النظام والأكراد، وتحولت منطقة الشرق ساحة للنزاع بين أمريكا وإيران، التي أقامت ممرا بريا من أراضيها حتى البحر الأبيض المتوسط".
ويقول الكاتب: "من هنا قد تحاول الولايات المتحدة إغلاقه، وقد ترد إيران في مناطق أخرى، أو تحاول طرد القوات الامريكية من سوريا بشكل كامل، وفي جنوب غرب سوريا قد تحاول إسرائيل منع وجود القوات الموالية لإيران وحزب الله قريبا من حدودها، من خلال الغارات أو عملية عسكرية دون موافقة روسية، والمشكلة هي أن أي عملية قد يكون لها تأثير مؤقت، وفي حال حدوث خطأ فإن المشكلة قد تتوسع من الحدود السورية لمواجهة في لبنان، وأخطر نقطة توتر هي في شمال غرب البلاد، حيث لا تزال إدلب خاضعة لسيطرة القوات المعارضة للنظام، ونشرت تركيا قواتها بموجب اتفاق تخفيض التوتر بالتعاون مع روسيا وإيران، فأي محاولة للنظام استعادة المنطقة، التي يعيش فيها مليون شخص، ستزيد من مخاطر التوتر، وهناك إشارات على تحول في تركيز النظام وحلفائه من الشرق إلى الشمال، وستقود أي عملية لمزيد من التشريد والدمار".
ويضيف مالي أزمات أخرى، وهي في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، التي تواجه دولها عددا من الصراعات المجتمعية والعنف الجهادي والقتال على خطوط التهريب، و"عادة ما تؤدي ردود وقسوة قادتها إلى تعقيد الأمور، بالإضافة إلى أزمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي قد تقود جهود جوزيف كابيلا فيها إلى تمزيق البلاد، وانزلاقها نحو الفوضى، بتداعيات على دول الجوار، في ظل تراجع اهتمام دولي بالأزمة، وتردد أفريقي في التدخل".
وينوه الكاتب إلى "أزمة أوكرانيا، التي في شرقها أكثر من 10 آلاف شخص، وتمثل أزمة إنسانية حادة، ولن تتحسن العلاقات بين روسيا والغرب جراء هذه الأزمة، فيما أصبحت مناطق الانفصاليين عاجزة وتعتمد على روسيا، ويظل الشرق جزءا من القصة، فالدولة الأوكرانية هشة، ولم تستطع حكومة بيترو بورشينكو مواجهة الفساد، وفقد الكثير من الأوكرانيين الأمل بالدولة والقانون والنخبة".
ويختم مالي مقاله بالإشارة إلى "أزمة فنزويلا، التي تدهورت فيها الأوضاع عام 2017، ويواجه نيكولاس مادورو تحديات كبرى، حيث ستتزايد الأزمة الإنسانية، ويتراجع الدخل القومي للفرد".