تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية قوة عسكرية كبيرة، يبلغ قوامها 1.3 مليون مقاتل فاعل، تتركز النسبة الأكبر منهم في ثلاث قارات؛ آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
وبينما تضم الولايات المتحدة باعتبارها البلد الحاضن، الشطر الأكبر من هذه القوة الضخمة بتعداد يصل إلى 1.1 مليون مقاتل، ينتشر أكثر من 215 ألف مقاتل بشكل أساسي في آسيا وأوروبا، حسب إحصائيات نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وعلى الرغم من أن الأعداد يمكن أن تحمل بوصلة على توجهات السياسة الأمريكية في منطقة ما، لكنها لا تمثل بالضرورة نهجًا دقيقًا لتتبع الاستراتيجية الأمريكية في تلك المنطقة، وفقا لما أشار إليه خبيران دوليان تحدثا إلى الأناضول بشكل منفصل.
ستيف بيدل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة "جورج واشنطن" الأمريكية، اعتبر أن فترة التغييرات الكبيرة في خارطة انتشار الجيش الأمريكي خارج البلاد قد انتهت (مرحليًا) برحيل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، واستلام خلفه باراك أوباما لسدة الحكم.
وقال للأناضول: "لقد أجرى ترامب بعض التغييرات الهامشية (على انتشار الجيش الأمريكي خارج البلاد) لكن ليس لدرجة كبيرة، ولقد قام بنشر جنود أكثر مما فعل أوباما لكن ليس أكثر منه بكثير، أكثر بقليل ربما، لكنه يبقى لا شيء يذكر مقارنة بـ160 ألف جندي في عهد جورج بوش".
وأوضح أن "ترامب غير قوانين الاشتباك التي تستخدمها الولايات المتحدة، لشن هجمات جوية، في كل من أفغانستان والعراق وسوريا، وهذا ما أدى إلى زيادة وتيرة الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الأمريكية، لكن حتى في هذا المجال، فالوضع لا يزال غير مشابه لما حدث في العراق عام 2007، لذا فإن ترامب قد فعل المزيد، إلا أنه لم يقم بشيء كبير جداً كما يحب أن يدعي".
وعلى صعيد الدلالات الرقمية لزيادة القوات الأمريكية في محيط شبه الجزير الكورية، اشار خبير مركز السياسات الدفاعية في مجلس العلاقات الخارجية (مستقل) إلى أن اهتمام الإدارة الحالية، إنما هو امتداد لاستراتيجية أمريكية تمتد لعقود خلت.
ومضى قائلًا: "قضية كوريا الشمالية، ليست أمرًا متصلاً بإدارة ترامب بشكل خاص، وما يتصل بإدارة ترامب بشكل خاص هو مدى التوتر الناجم عن قلق الولايات المتحدة والشخصية الغريبة لترامب".
واستدرك بالقول: "لكن الولايات المتحدة كانت قلقة من كوريا الشمالية على مدى عدة عقود، وأخذت في الاعتبار استخدام القوة في التعامل معها ثم صرفت النظر عن فعل ذلك، ولكن هذا لا يعني أن هذه هي المرة الأولى".
وازداد التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية عقب اندلاع حرب كلامية بين الرئيس دونالد ترامب، الذي توعد بيونغ يانغ "النار والغضب" فيما يواصل رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون تجارب صواريخه البالستية والنووية مهددًا بضرب العمق الأمريكي.
ولخص "بيدل" الاستراتيجية الأمريكية، لما بعد مرحلة جورج بوش الابن (2001-2009)، قائلًا: "بدأت إدارة أوباما بفكرة تعزيز قواتها في أفغانستان مصحوبة بتقليص قواتها في العراق، لذا فإن العدد الكلي للقوات الأمريكية خارج البلاد لم يتغير بشكل كبير (مقارنة بإدارة سلفه جورج دبليو بوش) في الولاية الأولى لإدارة أوباما (2009-2013)، بل تحول من العراق إلى أفغانستان".
واستطرد: "في كلتا الحالتين كان هنالك أكثر من 100 ألف جندي أمريكي قد تم نشرهم على الأرض في مناطق الاشتباكات منفذين عمليات مكافحة التمرد المسلح في السنوات المبكرة من إدارة أوباما، إلا أن الأخيرة كانت محبطة من النتائج، على ما يبدو، واعتقدت أنها لا تستحق التكاليف، لذا فقد حاولت خفض التواجد (العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان) بشكل متباطئ على أساس أن هذه العملية إذا حدثت ببطء فلن يحدث أي مكروه لكنهم سرعان ما اصطدموا بالنتائج العكسية".
وانتقد الخبير الأمريكي الإدارة السابقة للبلاد بأنها "لم تفكر بالمصالح الأمريكية في أي من العراق أو أفغانستان أو حتى سوريا، أو الأسوأ"، في إشارة إلى أن الانسحاب من هذه المناطق يعني إمكانية عودة الإرهاب إليها.
وفيما يتعلق باستراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية في نشر القوات العسكرية فقد وصفها بأنها "أقل قدرة حتى من إدارة أوباما على صياغة استراتيجية أولويات واضحة، ومن ثم تطبيقها".
ولفت إلى أن "إدارة أوباما كانت قادرة على صياغة هذا الأمر، وكذلك إيصال الرسالة، لكنهم لم يكونوا قادرين على حلحلة الأحداث في العالم، كي لا يتم سحبهم إلى مناطق لم يكونوا يرغبون بالتواجد فيها".
وخلص الأستاذ الأمريكي، إلى أنه "بشكل عام، القوات موجودة في الخارج، استجابة لنوع من التهديدات المتوقعة ضد الولايات المتحدة".
وأضاف: "التواجد في الشرق الأوسط، معروف بأنه للتعامل مع مخاوف الارهاب ووجود ملاذات آمنة يمكن من خلالها مهاجمة الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، وهو ذات ما يشغل العقل الأمريكي في القارة السمراء".
ولفت الخبير والمحلل السياسي إلى أن وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يصعب إنهاؤه "طالما أن الجدل الأمريكي يركز على الإرهاب، والخوف من الإرهاب".
وفي كوريا الشمالية، رأى بيدل أن الخوف هناك لا علاقة له بالإرهاب، بل هو "عبء تأريخي وخوف من نشوب حرب كورية".
وفي تصور بيدل، تعد زيادة القوات الأمريكية في العراق عام 2007، من أجل مكافحة الإرهاب هناك، أحد أفضل إنجازات الجيش الأمريكية هناك خلال هذا القرن.
أما إليزابيث براو، الخبيرة البريطانية في مجلس الأطلسي، والمختصة بشؤون الناتو فارتأت أن العقد الماضي، حمل معه تحولًا في الاهتمامات الأمريكية من "أفغانستان والعراق إلى أوروبا، بسبب روسيا وما يمكن تسميته تصرفاتها التسلطية، وسلوكها في أوكرانيا لذا فقد شهدنا تحولًا".
وفي رد على سؤال حول أسباب احتياج الولايات المتحدة لأكثر 200 ألف مقاتل منتشرين حول أنحاء العالم، قالت براو إنه "من مصلحة الولايات المتحدة أن تظل أوروبا والعالم كذلك، مستقرين، ولذا فإن مسألة نشر قواتها خارج البلاد، أبعد من مجرد اهتمام إنساني او أعطية كريمة، بل أنه من مصلحتها أن يستمر العالم بالتفاعل بشكل سليم أو ويعمل بتناغم أفضل".
وفسرت أسباب تناقض رؤى الرؤساء الأمريكيين عن وعودهم الانتخابية، بالقول: "أغلب الرؤساء يتسلمون مناصبهم، وهم يحملون فكرة عما ينوون فعله، ولكنهم سرعان ما يصطدمون بالواقع، وينتهي بهم الأمر بفعل شيء لا يختلف كثيرًا عما فعله سلفهم".
وأضصافت: "قدم ترامب إلى السلطة وهو يردد (أمريكا أولًا)، ولكن عندما يأتي وقت التنفيذ فإن عليك أن تبني قرارك استنادًا للواقع الذي أمامك وفي هذه الحالة فإنه كان على وزير الدفاع جيمس ماتيس أن يتعامل مع الوقائع التي تواجهه".
أما عن رأيها بما يتعلق بأكبر إنجازات الجيش الأمريكي خلال القرن الواحد والعشرين، فترى براو أن هذا يتمثل في "المحافظة على تماسك حلف الناتو، بالرغم أنه ليس إنجازًا للولايات المتحدة وحدها".
واستدركت بالقول: "ولكن لو نظرت إلى الناتو لوجدت أنه حلف إرادات، فهو يتكون من 29 دولة ذات سيادة تقوم باتخاذ القرارات فيه بشكل جمعي، ليس لأحد سلطة على عضو آخر، ويختلف كل واحد منهم عن الآخر (...) ولكنهم ينجحون في التحرك بشكل جمعي كحلف وهذا لوحده إنجاز هائل، وهو عائد في جزء منه إلى القيادة الأمريكية".