عندما يزور نائب الرئيس الأميركي مايك بنس مصر، الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول، سيسير على نفس خطوات المسؤولين الأميركيين الذين لا حصر لهم ممن زاروا القاهرة للثناء على "الشراكة الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة ومصر، وفق مقال لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
يوضح أندرو ميللر، نائب مدير السياسات في منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، في مقاله بالصحيفة، أن هذه العادة أضحت موضوعاً سخيفاً للنقاش عفا عليه الزمن، "هذا التقليد الذي وضعناه خلال سنوات عملنا في الحكومة. ولا ينبغي لبنس أن يوافق على هذا الأمر".
ويوضح ميللر قائلاً إن المصالح الأميركية والمصرية أصبحت متباينة بشكلٍ متزايد، ولعل العلاقة بين الطرفين الآن لم تعد ذات غاية مشتركة كما كانت عليه في السابق. ويضيف: "يجب على بنس أن يوضح للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أنَّ البلدين بحاجة إلى إعادة ترتيب العلاقات، بدءاً بخفضٍ كبيرٍ في المساعدات العسكرية الأميركية".
وبالإضافة إلى حفظ أموال دافعي الضرائب الأميركيين، فإنَّ هذا من شأنه -بحسب قول ميللر- أن يبعث برسالةٍ مهمةٍ إلى المتلقين الآخرين للمعونة الأميركية بأنَّ دعمنا لهم ليس مطلقاً. ومن شأن ذلك أيضاً أن يساعد في تسوية أمر المساعدات الذي يُشوِّه العلاقات المصرية الأميركية.
اتفاق يدحض الشكوك
وقد دُحِضَت أي شكوك بشأن عدم استمرار مصر كشريك استراتيجي للولايات المتحدة بتوقيعها الاتفاق الأوليّ مع روسيا على منح الوصول المتبادل للقواعد الجوية لبعضها البعض.
ويقول ميللر: "هذا مجرد مثال حديث على السلوك غير الودي للغاية من قبل صديق مزعوم للولايات المتحدة. وفي ليبيا، قدَّمَت مصر دعماً عسكرياً للجنرال خليفة حفتر، الذي يشتبك جيشه الوطني الليبي مع القوات الموالية للحكومة المُعتَرَف بها دولياً والمدعومة من الولايات المتحدة".
ويتابع: "وفي مجلس الأمن اتحدت مصر مع روسيا لمعارضة الولايات المتحدة بشأن قضايا تتعلَّق بسوريا، وصولاً لإسرائيل وفلسطين. وفي هذا العام، برزت دلائل التعاون العسكري والاقتصادي المصري مع كوريا الشمالية".
وحتى في ظل استمرار المواءمة بين الأهداف الأميركية والمصرية، تكافح مصر من أجل تعزيز أهدافنا المشتركة بفاعلية. ولم تستوعب واشنطن إحدى الحقائق الجديدة: فبسبب انحلالها الداخلي، لم تعد مصر تمثل ثُقلاً إقليمياً يمكن للولايات المتحدة من خلاله أن تُرسِّخ سياستها في الشرق الأوسط، وفق نيويورك تايمز.
ويقول ريتشارد سوكولسكي، زميل كبير غير مقيم بمركز كارنيغي للسلام الدولي، في نفس المقال بالصحيفة الأميركية: "لقد ساهمت حكومة السيسي قليلاً، على نحوٍ مثير للصدمة، في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق. وتجاهلت القاهرة باستمرار العروض الأميركية لتدريب القوات المصرية في إطار تكتيكات محاربة التمرد التي يمكن أن تساعد في هزيمة الإرهابيين في سيناء".
ويضيف: "ضَعُف شأن وصول الولايات المتحدة إلى المجال الجوي المصري، فضلاً عن أنَّ الامتيازات الأميركية في قناة السويس مبالغ فيها بشكلٍ كبير. وخلافاً للاعتقاد السائد، فإنَّ البحرية الأميركية لا تتلقى امتيازات أولوية العبور، التي تُمكّن سفننا من اجتياز السفن الأخرى والعبور قبلها".
ويوضح أنه كان هناك وقتٌ استفاد فيه البلدان من مصالح هامة متبادلة، بما في ذلك الدعم المصري الموثوق به لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لكن على مدار العقد الماضي، ضخَّت الولايات المتحدة أكثر من 13 مليار دولار في شكل مساعدات أمنية إلى مصر مع القليل من المزايا باستثناء خلق المزيد من فرص العمل في صناعة الدفاع التي تُصدِّر عتاداً غير ملائم للاحتياجات الدفاعية لمصر، وتُبقي على نظام الرعاية للجيش المصري الذي يشوّه الاقتصاد ويتسبب في الفساد، بحسب نيويورك تايمز.
المساعدات الأميركية
يقول ريتشارد سوكولسكي: "لفترة طويلة سمحت أميركا للحكومة المصرية بالتعامل مع المساعدات الأمنية كحق مُستَحَق مقابل حفظ السلام مع إسرائيل. ولم تُسائل الولايات المتحدة مصر عن كيفية إنفاقها هذه الأموال، وما إذا كانت تخدم أهدافاً أميركية أوسع في المنطقة، ما منح مصر رحلة مجانية للسخاء الأميركي. واتخذت إدارة أوباما خطوات أولية لجعل المساعدة العسكرية أقل سخاءً وللحد من أنظمة الأسلحة التي يمكن أن تشتريها مصر بأموال أميركية. وحجبت إدارة ترامب أو أعادت برمجة أكثر من 200 مليون دولار من المساعدات العسكرية".
وتشير نيويورك تايمز إلى أنه في ضوء تراجع أهمية مصر الاستراتيجية وسلوكها الإشكالي، يجب على واشنطن أن تُخَفِّض بشدة مساعداتها العسكرية السنوية بما يتراوح بين 500 مليون دولار و800 مليون دولار من أجل مواءمة مواردنا مع أولوياتنا. "ومن شأن ذلك أن يحرر الأموال التي نحن بأمسّ الحاجة إليها. ولاشك أنَّ التوجه نحو تخفيض المساعدات الأمنية لمصر إلى مستوى يتماشى أكثر مع القيمة الفعلية التي تستمدها الولايات المتحدة من هذه العلاقة سينال شعبية كبيرة داخل الكونغرس، الأمر الذي يثير الإحباط لدى القاهرة".
المخاطر محدودة. ومن غير المحتمل أن تغير مصر سلوكها مقابل محدودية المساعدات. ولن تُنهي، على سبيل المثال، معاهدة السلام مع إسرائيل أو تكفّ عن تعاونها في مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة. وستواصل بالطبع محاربة الجهاديين في الداخل.
ويقول المدافعون عن بناء علاقات أوثق مع مصر إنَّ خفض المساعدات سيجعل القاهرة أقل استعداداً لقبول التدريب العسكري الأميركي، لكن هناك أدلةً ضئيلة على أنَّ سنوات الدعم السخي عززت الرغبة لدى مصر في الحصول على فرص تدريبية إضافية في مجالات حيوية مثل محاربة المسلحين.
وفي الواقع، بحسب الصحيفة الأميركية، فإن تحرير القاهرة من وهم فكرة أنَّ المساعدات بمثابة حق حصري لها قد يساعد على استعادة بعض النفوذ لانتزاع الامتيازات من القاهرة. وفي حين أنَّ عدم الاستقرار في مصر هو مصدر قلق مشروع، فإنَّنا نخدع أنفسنا حين نفكر بأنَّ المساعدات الأميركية هي الحاجز بين النظام والفوضى.
وبدلاً من الاعتراف بأنَّ أهمية مصر قد تضاءلت، فقد عزَّزَ الرئيس ترامب من العلاقة، ووعد بأن يكون "صديقاً مخلصاً" لمصر، وبالغ في الثناء على السيسي. وصمت البيض الأبيض إزاء انتهاكات الحكومة المصرية البغيضة لحقوق الإنسان، التي تُغذي التطرف، ما يزيد من التهديد العالمي من الإرهاب. ورغم ارتباط الولايات المتحدة الوثيق بحكومة السيسي وممارساتها القمعية، فإنَّ الإدارة متأكدة من أنَّ ملايين الشباب المصري المُهمَّش سينظرون للولايات المتحدة نظرةً عدائية.
ويخلص الكاتبان في مقالهما إلى أن أميركا تدير صفقةً فاشلةً مع مصر. وهذا الأمر مثيرٌ للسخرية في ظل وجود رئيس يفتخر بنفسه كمفاوضٍ جيد. زيارة بنس فرصةٌ لفتح صفحة جديدة مع مصر، ولجعل التزام الولايات المتحدة تجاه مصر يتناسب مع ما تتلقاه واشنطن في المقابل. وإذا فعلت إدارة ترامب ذلك، فإنَّها ستخطو خطوة صغيرة لكنها مهمة نحو استعادة مصداقية أميركا وسمعتها المُشوَّهة في المنطقة.