في الوقت الذي تخبو فيه الحملة العسكرية الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الشرق الأوسط، تُحوِّل إدارة ترامب تركيزها إلى ما تعتبره تهديداً أكبر: إيران التي يبدو حرسها الثوري المستفيد الأبرز من التطورات في سوريا.
ويجاهد المسؤولون الأميركيون للتوصُّل إلى أين وكيف يصدون ما وصفوه بالتوسع العسكري الإيراني الملحوظ في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي يُعد مصدرَ قلقٍ متزايد في واشنطن وتل أبيب والرياض، حسبما ورد في تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
وقال مسؤولٌ كبير في الإدارة الأميركية إنَّ "قيادتنا وضعت هدفاً لعدم السماح لإيران ووكلائها بالتمكُّن من إقامة وجود عسكري في سوريا يمكن استخدامه لتهديدنا أو تهديد حلفائنا في المنطقة". وأضاف: "هناك طرق مختلفة لتنفيذ ذلك، وما زلنا نحاول اكتشافها".
ويدرس الفريق هربرت رايموند ماكماستر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأمن القومي، تقديم خطاب سياسي حول سوريا في مطلع العام المقبل 2018، يرسم استراتيجية الإدارة الجديدة، وفقاً لأشخاص مطلعين على خططه.
هل ستواجه إيران؟
ومن المسائل الرئيسية التي يجب على إدارة ترامب تحديدها، ما إن كانت ستجعل مواجهة إيران هدفاً جديداً صريحاً للقوات الأميركية التي تجاوز عددها الألفين حالياً في سورياً.
قال جيم ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، إنَّ القوات ستبقى في البلاد في المستقبل المنظور لضمان عدم استعادة داعش موطئ قدم مرةً أخرى، أو تحوُّل فلولها إلى تهديدٍ جديدٍ خطير.
ووفقاً لمسؤولين أميركيين وآخرين على درايةٍ بالمناقشات المستمرة، ربما توضع هذه القوات في مقدمة الجهود الجديدة لمنع إيران من تعزيز وجودها العسكري في سوريا، أو إقامة طريق آمن في البلاد يسمح لطهران بنقل أسلحة متقدمة إلى حلفائها على الحدود الإسرائيلية.
وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن تربطها علاقاتٌ وثيقةٌ بإدارة ترامب: "يجب أن يكون الوجود العسكري في سوريا مركز الثقل لإستراتيجية تحييد إيران. لن يكون هناك نفوذٌ سياسي دون وجود قوة عسكرية أميركية على الأرض السورية".
من جانبها انتقدت إيران الولايات المتحدة لوجودها في الشرق الأوسط، قائلة إنَّ واشنطن تدعم الإرهابيين الذين يقاتلون ضد النظام السوري. ولم ترد إيران على طلب التعليق على التحوُّل الأميركي، حسبما ورد في تقرير وول ستريت جورنال.
وبينما وضع ترامب خطةً واسعة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2016، لمكافحة نفوذ إيران، فقد رَكَّزَ الجيش الأميركي على القضاء على معاقل داعش في سوريا والعراق. واعترف المسؤولون الأميركيون أنَّ هذه الخطة سمحت لإيران بزيادة نفوذها، خاصةً في سوريا. ويُقدِّر مسؤولو الإدارة أنَّ طهران وحلفاءها يُوفِّرون الآن 80% من المقاتلين لنظام الرئيس بشار الأسد. وبحسب بعض التقديرات، هناك حالياً 125 ألفاً من القوات التابعة لإيران في سوريا.
ما التحديات أمام الخطة الجديدة؟
ومن شأن تحويل التركيز من داعش إلى إيران أن يواجه عدداً كبيراً من التحديات، بما في ذلك المخاوف بشأن اندلاع رد فعل قاتل من إيران يستهدف القوات الأميركية في المنطقة.
هذا الاحتمال هو مصدر قلقٍ كبير للمسؤولين العسكريين الأميركيين، خاصةً الذين قاتلوا في العراق قبل عقد من الزمان، ويتذكَّرون التأثير القاتل الذي خلَّفته المتفجرات التي قدَّمَتها إيران على القوات الأميركية في البلاد.
ولتدارُك هذا القلق، أرسل مايك بومبيو، رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية، تحذيراً سرياً الشهر الماضي إلى الجنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس الإيراني. وقال بومبيو مؤخراً أنَّ الرسالة وجَّهَت تحذيراً من الولايات المتحدة إلى الجنرال سليماني من أنَّ الإدارة "ستُحمِّله هو وإيران مسؤولية أي هجمات تشنّها القوات تحت سيطرتهم على المصالح الأميركية في العراق".
وكشفت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية وجود الرسالة، وقالت إنَّ أحد عملاء الاستخبارات الأميركية حاول إيصالها باليد إلى الجنرال سليماني، بينما كان يزور المدينة السورية المُحاصَرة البوكمال، على مقربةٍ من الحدود العراقية. ورفض سليماني فتح الرسالة، وفقاً لما ذكره بومبيو ووسائل الإعلام الإيرانية.
وقد أظهرت إدارة ترامب بالفعل استعدادها لمواجهة إيران مباشرةً في سوريا. وخلال الصيف، أسقط الجيش الأميركي طائرتَين حربيَّتَين إيرانيَّتين بدون طيَّار بالقرب من القوات الأميركية العاملة جنوبي سوريا. وقد هدأت التوتُّرات سريعاً بعد ذلك، وأظهر إسقاط الطائرتين مدى جدية المواجهات التي قد تحدث في سوريا.
وأوضح الجنرال ماكماستر في الأيام الأخيرة، أنَّ الولايات المتحدة تصيغ طرقاً لاحتواء هذا التهديد في سوريا.
وقال في منتدى عام في وقتٍ سابق من هذا الشهر، ديسمبر/كانون الأول: "ما نواجهه هو احتمالية وجود جيش بالوكالة على حدود إسرائيل".
ويشعر المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون بالقلق الشديد تجاه المعلومات الاستخبارية التي تشير إلى أنَّ إيران تقيم منشأة عسكرية في شمال غربي سوريا لصنع صواريخ بعيدة المدى. وقد نفَّذَت إسرائيل أكثر من 100 غارة جوية في سوريا، معظمها تستهدف ما وصفته بأنَّه قوافل تنقل الأسلحة إلى مقاتلي حزب الله.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد الغارة الجوية الأخيرة، التي شُنَّت على قاعدةٍ عسكرية إيرانية قرب دمشق، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، أنَّ بلاده "لن تسمح لنظامٍ عزم على إبادة الدولة العبرية بترسيخ وجوده العسكري في سوريا".
وتسعى إدارة ترامب إلى إيجاد طرق لمنع تحوُّل الحرب السورية إلى صراعٍ إقليمي جديد بين إسرائيل وإيران. وتحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها استخدام توسيع مناطق خفض التصعيد في سوريا لوقف توسُّع إيران على طول الحدود مع إسرائيل والأردن. لكن منتقدين يقولون إنَّ الاتفاقات قد عزَّزَت بالفعل مكاسب إيران وقوَّضَت هذه الأهداف.