تحدث تقرير لبرنامج استقصائي على شبكة “ARD” العامة، عن تزايد عدد الموقوفين العرب في أحد السجون، وعرض ظروف إقامتهم في سجن بولاية ساكسونيا، والاختلافات الحضارية والعوائق اللغوية التي تعترض التفاهم بينهم وبين القائمين على السجن.
وذكر التقرير أن المزيد من السجناء العرب، أغلبيتهم من شمال إفريقيا، وصلوا إلى سجن فالدهايم، الواقع على مسافة 30 كيلو متراً شمال مدينة كيمنتز، منذ عامين، فتضاعف عددهم ووصل إلى 50، بين 400 سجين تم وضعهم في السجن المذكور حالياً، الذي لا يكاد يتسع للمزيد.
واعتبر مايك برينكمان، الذي يعمل منذ 24عاماً في السجن، أن التعامل مع السجناء الجدد يكون شاقاً بعض الأحيان، فيقول إنهم صاخبون أكثر، إلى جانب الصعوبات اللغوية، إذ لا يفهمون أحياناً ما يقال لهم بشكل صحيح أو يفسرونه بشكل خاطىء، وبالمقابل لا يفهمون هم أيضاً بعض الأشياء بشكل صحيح، ما يسفر عن وقوع نزاعات في بعض الأحيان.
لا يجب أن يعرفوا!
ويشير إلى أنه هناك مشكلة خاصة تواجه الموظف لدى تفتيش غرف السجناء العرب، إذ يرفضون لمس “برنكمان” للقرآن أو سجادة الصلاة، معتبرين إياه غير مؤمن لا يجوز له ذلك. ويقول “برنكمان” إنه لا ينبغي أن يعرف السجين بشأن لمسه لها، رغم أنهم يعلمون بأنه يحدث.
ويوضح رداً على سؤال أنه يحدث أن ترتفع أصواتهم بالاحتجاج حيال ذلك. ويقول أنه سبق وأن تشاجر مع هذا السجين أيضاً مرة أو مرتين. ويرجع الصدامات إلى اختلاف العقلية، مشيراً إلى أن العرب يشعرون في بلادهم بأنهم الجنس الأقوى، وأنه من خلال خبرته، تبين أن المساجين العرب يصعب عليهم جداً تقبل قول لا لهم.
وتقول إنيس ريغلر، مشرفة قطاع في السجن، إن النزاعات مع العرب أصعب من تلك التي تجمعهم بالألمان، مستذكرة شجاراً وقع منذ أسابيع من وقت تصوير الريبورتاج، تم تهديدها بالموت من قبلهم، بقنبلة على سبيل المثال.
وأضافت أنه نظراً إلى التوتر الموجود، لا يمكنهم التعامل مع السجناء الآخرين بالطريقة التي يريدونها، لعدم توافر الوقت ولأنهم يشعرون بالتوتر أيضاً.
وخصص معدو الريبورتاج جزءاً واسعاً منه للحديث عن يوميات السجناء وعرض وجهات نظر البعض من الذين قبلوا بإجراء مقابلات معهم.
فبين شاب مغربي، رفض الكشف عن هويته، أنه يشعر بممارسة التمييز ضده، وأن الأجانب في السجن يعاملون بعنصرية، فيُسمح للسجناء الألمان بالعمل ولا يُسمح لهم، متجنباً ذكر السبب الحقيقي لسجنه، قائلاً إنه لم يتبق أمامهم سوى أن يصبحوا مجرمين، إذ لا يمكنهم جني المال بشكل قانوني فيبيعون المخدرات، على حد زعمه.
ونقلت القناة عن إدارة السجن قولها إن السجين كان يعمل في محل نجارة، خسر عمله بعد مشاجرة. وأشارت إلى أنه يقبع في السجن منذ عامين لارتكابه جريمة عنف.
ويجري العامل في السجن “برنكمان” تفتيشاً على غرفة الشاب المغربي، بعد مغادرته ليخضع لفحص عند الطبيب، بحثاً عن إمكانية وجود أسلحة أو هواتف محمولة أو مخدرات، وبشكل خاص تحت الفراش، المكان المفضل للسجناء لتخبئة هكذا أغراض ممنوعة.
ويصر التونسي عبد العزيز يرفل، المسجون هناك منذ شهر شباط الماضي، بجرم الاتجار على نطاق واسع بالمخدرات، على براءته، الأمر الذي لا يتوافق مع رأي المحكمة بالطبع فأصدرت حكماً عليه بالسجن ٦ سنوات.
ويشير معدو التقرير إلى صعوبة إجراء الصحفي حواراً معقولاً مع “يرفل” بسبب العوائق اللغوية، في السجن الذي لا يضم كبقية سجون الولاية، مترجمين، الأمر الذي تحذر منه أخصائية اجتماعية، بالتأكيد بأن عدم معالجتهم سيزيد من مخاطر ارتكابهم جرائم، قد تكون أكبر، بعد خروجهم.
وفيما يتعلق بالمشاكل الناجمة عن الاختلاف الحضاري، بيَّن “برنكمان” أن السجناء العرب كانوا يشتكون كثيراً من الاستحمام في حمام جماعي،لا يوجد فيه فاصل يستر بين السجناء، معتبرين هذه الطريقة تنتهك خصوصيتهم، ما دفعهم لبناء ساتر لأجلهم.
وفيما إذا كان تصرفهم على هذا النحو كإدارة لا يعتبر تكيفاً مبالغاً فيه مع السجون، أوضح “برنكمان” أنهم يخففون بذلك الكثير من الضغط، الذي يثقل الأمور على كاهلهم، وأنهم لو لم يفعلوا ذلك، سيتعرضون هم لضغوطات من قبل السجناء.
ويحاول الموظف المذكور أن يراعي أيضاً أموراً دينية أخرى، فيقوم بطباعة أوقات الصلاة من موقع غوغل، ويعطيها للسجناء المسلمين، الذين يصلون في زنزاناتهم. وينقلب نظام السجن رأساً على عقب في شهر رمضان، فيقوم بتجميد الطعام ظهراً، ثم تسخينه بالمايكرويف وقت المغرب، ليحصلوا عليه من قبل أحد العاملين. ولفت “برنكمان” إلى المشاكل التي يحدثه انقلاب نظام اليوم، ففي حين يرغب السجناء الألمان في النوم ليلاً يكون المسلمون مستقيظين أمام النوافذ.
وحتى بعد مرور شهر رمضان، تأقلم مطبخ السجن مع المقيمين الجدد، فيُكتب على الطبق المغطى المحتوي على الطعام اختصار ”MOS”، الذي يشير إلى أن الوجبة معدة لسجين مسلم تحتوى مثلاً على لحم الدجاج والديك الرومي والبقر، فيما لا يُكتب على بقية الأطباق المعدة للألمان غير المسلمين شيء.
ويشير الريبورتاج إلى أن سجوناً أخرى في ساكسونيا لديها نفس التعامل مع الطعام المقدم، علماً أن وزارة الداخلية في الولاية رفضت الإفصاح عن التكاليف المترتبة على ذلك.
ويضم السجن نزلاء من مختلف الأنماط، إذ يعيش جنباً إلى جنب مع العرب، باتريك لوشه، وهو من النازيين الجدد، المتفاخر بانتمائه، بعرضه أوشاماً رسمها على جسده، بينها 88 المشيرة إلى تحية الديكتاتور النازي أدولف هتلر.
ويقول “لوشه” إن الجميع هناك سجناء، بغض النظر عن دينهم وموطنهم، مضيفاً وهو يبتسم، أما في الخارج فالأمر على نحو آخر مجدداً. ويوضح أنه يمكن للمرء الفرار في الخارج، لكن داخل السجن عليه الانسجام مع الناس الموجودين هناك.
ويشرح اليميني المتطرف، الذي يقضي حكماً لتعكيره صفو السلام العام، سبب سجنه بأنهم انخرطوا في أعمال شغب أمام مركز استقبال لاجئين، في هايدناو قرب مدينة دريسدن، في العام 2015، وأصابوا 30 عنصر شرطة بجراح، بضربهم بالزجاجات والحجارة وحواجز البناء ومكافحات الحريق والألعاب النارية.
ودعا بعض المعلقين على الفيديو المنشور على صفحة البرنامج التلفزيوني إلى إعادة جميع السجناء إلى بلدانهم، كي يتخلصوا من جميع المشاكل دفعة واحدة.