أصبحت مدينة البعاج العراقية الواقعة على الحدود مع سوريا نقطة ارتكازٍ في خطة إيران لتأمين جذورٍ ثابتةٍ عبر العراق، وسوريا، ولبنان، مُعزِّزَةً نفوذها على الأراضي التي احتلها وكلاؤها، بحسب ما ذكرته صحيفة "الغارديان" في تقرير لها الجمعة 16 يونيو/حزيران 2017.
وكانت قوات "الحشد الشعبي" العراقية أعلنت في 4 يونيو/حزيران 2017 سيطرتها على قضاء بعاج بعد طرد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منه، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
ودمرت مدينة البعاج وهجرها سكانها، وتحولت إلى ما يشبه مدينة للأشباح بعدما أُغلقت محالها وفرغت شوارعها، وتشير صحيفة "الغارديان" إلى أن القوات التي سيطرت على المدينة خطت شعاراتها على حوائط المدينة.
معارك مستمرة
وتقول إحدى الرسائل المكتوبة على الجدران في ميدان المدينة: "من الموصل إلى البعاج شكراً لك يا سليماني"، كتحيةٍ لقائد "فيلق القدس" التابع للحرس "الثوري الإيراني"، قاسم سليماني، الذي ساعد في قيادة قوات الحشد الشعبي في اجتياحها للأراضي الواقعة بين البعاج وبين الحدود السورية. ورفرفت راياتٌ للميليشيات الشيعية المختلفة.
أبو مهدي المهندس وهو قائد مشارك مع قوات الحشد يحيي قواته المنتصرة، والتي شقَّت خلال الأسابيع القليلة الماضية منطقةَ نفوذٍ جديدةٍ من الموصل إلى الحدود السورية. يقول في لقاءٍ نادرٍ أثناء اجتماعٍ للعشائر أداره رجاله: " كانت هذه آخر قلاع داعش في المنطقة"، مضيفاً أن المدينة كانت نقطة العبور لـ"الإرهابيين" منذ 2013 و2014، الذين كانوا يدخلون البعاج وتلعفر، إنها منطقةٌ استراتيجييةٌ لقادتهم"، حسب تعبيره.
وأضاف: "يتمركز تنظيم داعش الآن في حوض الفرات في سوريا والعراق، وهم يحاولون البقاء هناك، ونحن نريد القيام بعملياتٍ عسكريةٍ هناك، لكن ذلك لن يستغرق أقل من سنة، وربما أكثر".
وتابع: "لقد هُزِمَ تنظيم القاعدة، ثم عاد في صورة داعش. لذا، إذا لم نُدمِّر كل شيءٍ هناك، ستصبح كل تلك المنطقة داعش مرةً أخرى، إنما باسمٍ مختلفٍ فقط".
كذلك قال أحد قيادي جبهة المعارك في المدينة لصحيفة "الغارديان": "نحن لن نترك البعاج، فهذه ستكون قاعدتنا في المنطقة".
تغيير المنطقة
وعلى امتداد الطريق السريع من القيارة إلى جنوب الموصل، تصطف الحفارات ومعدات أعمال الطرق والجرافات، إذ سينضم بعضها للقوات الشيعية التي كسبت المعركة، فيما يدفعون فلول مقاتلي "داعش" إلى سوريا، وستعمل باقي المعدات على إصلاح ما ترك خلفهم، من شبكة طرقٍ يمكن بالكاد العبور عليها، والتي بعد الانتهاء من إصلاحها ستمثل جذراً حيوياً بين الحدود وما وراءها، بينما ستمثل البعاج نقطة عبور.
وليس بعيداً عن ذلك تشير صحيفة "الغارديان" إلى أن "حركة النخبة" وهي ميليشيا عراقية تقود القوات التي تحارب قوات المعارضة السورية أنشأت قاعدةً لها في منطقة البعاج ليكون كل فردٍ من أنصارها هي الأخرى قد حارب داعش داخل العراق.
وبذلك يجري تحوُّل البعاج من ملاذٍ آمنٍ لقادة داعش خارج الحدود، إلى نقطةٍ محوريةٍ للجهود الإيرانية لتغيير ديناميكية المنطقة، بسرعةٍ كبيرةٍ، حتى قبل تأمين مئات المنازل المُفخَّخَة.
وتعد السيطرة على مدينة البعاج مكسباً حيوياً لإيران، إذ ذكر قياديون في قوات "الحشد الشعبي" في شهر مايو/أيار الماضي، أنهم قد أبلغوا ضباطهم بأنه اُعيد توجيه محورٍ سيمنح إيران خط إمداداتٍ عبر الأراضي العراقية والسورية، وصولاً إلى لبنان، ليمر جنوبيَّ جبل سنجار، الذي يقع على بعد 40 كيلومتراً شمال البعاج.
ويُفتَرَض أن تكون البعاج النقطة المركزية الأولى، ومن هناك، يُفتَرَض أن يمتد الطريق ليعبر سوريا عبر مدينتي دير الزور والميادين، واللتان ما زالتا تحت سيطرة تنظيم "داعش".
ومنذ ذلك الحين تحتشد القوات المدعومة من إيران على جانبي الحدود، قرب طريق بغداد - دمشق السريع، وهو ما أدى إلى أن التحالف الدولي شن 3 غارات على قوافل عسكرية لمقاتلين موالين لنظام الأسد ومدعومين من إيران، حاولوا الاقتراب من معبر التنف الحدودي الذي تسيطر عليه قوات أميركية تدعم مقاتلين من المعارضة، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
حجار الشطرنج
ويعد الطريق البري محورياً في تأمين الجهود الهادفة إلى حماية الجذور الحيوية للجبهة، لكن ضباطاً كباراً في قوات "الحشد الشعبي" يقولون أن ممراتٍ أخرى محتملةٍ تُدرَس حالياً، خصوصاً مع التغيُّر الذي يحدثه انهيار قوات "داعش" في أرض المعركة. ويقولون إن المسار المُفضَّل حتى الآن هو المسار عبر دير الزور، والميادين، وتدمُر، ثم دمشق.
وتشير صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أن القوات في المنطقة الحدودية أصبحت "كحجار الشطرنج" التي يتحكم بها العديد من اللاعبين، وتضيف: "فالميليشيات المدعومة من إيران تقود الجيش السوري نحو العراق من الغرب، ونفس القيادة تقود الجيش العراقي نحوهم من الشرق".
وفي 9 يونيو/حزيران 2017 قال قائد عسكري موال لنظام الأسد إن القوتين التقتا عند الحدود العراقية السورية قرب قاعدة التنف، وفقاً لوكالة رويترز، فيما لفتت صحيفة "الغارديان" إلى أن هذا الالتقاء يحقق جزئياً خطط إيران في تأمين قوس نفوذها.
وأضافت أنه كان من آثار ذلك أيضاً عرقلة نوايا الولايات المتحدة في التحرك شمالاً من الميادين لمحاربة "داعش" في آخر معاقله، والذي يُرجَّح أن يكون غربيَّ دير الزور.
وتشير الأراضي المقفرة جنوبيَّ البعاج من القرى والمدن التي أُخلَيت على عجلٍ إلى أن تنظيم "داعش" إن عاد إلى هنا فلن يكون في أي وقتٍ قريبٍ.