تشي الزيارات الخليجية رفيعة المستوى إلى روسيا وعقد اللقاءات وتوقيع الاتفاقات الأخيرة في مجالات عدة، برغبة من دول مجلس التعاون لتعزيز العلاقات مع موسكو، ومحاولة جدية للفت الأنظار نحو تدخلات إيران بالمنطقة.
ويرى مراقبون أن دول الخليج تعمل بجدية نحو سحب روسيا من محور إيران-سوريا، من خلال التعاون مع روسيا في ملف النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
وخلال الأيام الماضية، زار روسيا كل من العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ووزير الدولة لشؤون الدفاع في قطر، خالد بن محمد العطية، وقبلها عقد مسؤولون سعوديون عدة لقاءات مع نظرائهم الروس خلال قمة العشرين في مدينة هانغتشو شرقي الصين 4 سبتمر/أيلول.
- تحركات وصفقات
ويعيد التحرك الخليجي الأخير تجاه موسكو مجدداً تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في المقابلة التي نشرتها صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية 22 يوليو/تموز للواجهة، وأكد فيها أن الرياض مستعدة لإعطاء "حصة" لروسيا في الشرق الأوسط لتصبح أقوى بكثير من الاتحاد السوفييتي، مقابل تخليها عن رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
ويعتبر الجبير أن اختلاف بلاده مع الروس بشأن سوريا لا يتعلق بالدرجة الأولى بنتيجة اللعبة بل بالطريق التي تؤدي إليها، وأنه من المنطقي أن تدفع موسكو بتعزيز علاقتها مع الرياض وليس مع الأسد، وقال متوجهاً إلى الروس: "اقبلوا الصفقة ريثما يمكنكم ذلك".
ويمثل وقف الدعم الروسي عن نظام الأسد وكبح تدخل إيران في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة العربية -الخليج خصوصاً- أهم المنطلقات التي تسعى دول الخليج إلى حلها مع الكرملين، الذي يحاول تعزيز نفوذه في الشرق الأوسط عن طريق حلفائه الذين أخذت العزلة تتوسع حولهم إقليمياً ودولياً.
- ديناميكية خليجية
وفي رسالة تحمل عدة دلالات وصف وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو -خلال لقائه مع نظيره القطري- 6 سبتمبر/أيلول، التحركات الخليجية الأخيرة بأنها "تتسم بديناميكية إيجابية لنشر الاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج"، مشيراً إلى أن لدى روسيا وقطر رغبة مشتركة بالحوار السياسي، بما يخدم قضية السلام والاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
وتتهم دول الخليج إيران بالوقوف وراء أغلب مشاكل المنطقة، وتؤكد أن التشكيلات المسلحة التي تدعمها إيران وهي حزب الله في لبنان وسوريا، والمليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن، هي عامل زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، كما أنها تؤجج التمرد في صفوف الشيعة في البحرين والسعودية.
وتناولت مباحثات العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال زيارته موسكو في 6 سبتمبر/أيلول، تطورات الوضع في المنطقة، إضافة إلى الحوار الاستراتيجي القائم بين روسيا ودول الخليج العربي.
في الزيارة ذاتها، انتقد وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، تدخل إيران في شؤون دول المنطقة، وأشار إلى أن علاقة موسكو بطهران يمكن من خلالها وضع حد لتجاوزاتها في دول المنطقة، مؤكداً دور روسيا في الحفاظ على أمن منطقة الخليج العربي واستقراره.
- حاون وقت التفاهم مع روسيا
وفي موقف يعكس حجم التوافقات الجديدة لدول الخليج مع موسكو، رحبت قطر والكويت والإمارات بالاتفاق الذي وقعته روسيا والسعودية في 5 سبتمبر/أيلول، للتعاون في قطاع الطاقة بهدف تحقيق الاستقرار في سوق النفط، والتوجه المشترك نحو استعادة توازن أسواق النفط.
واعتبر وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، أن الوقت حان للتفاهم مع روسيا حول إعادة الاستقرار للأسواق خلال الفترة المقبلة، بما يحقق الفائدة لكل من المنتجين والمستهلكين معاً، حيث قفزت أسعار خام برنت إلى 49.33 دولاراً للبرميل، صعوداً من 46.71 دولار، عقب المؤتمر الصحفي مع وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، في مدينة هانغتشو الصينية.
وطيلة السنوات الأخيرة لتدهور أسعار النفط، لم تتمكن كبرى الدول المنتجة للنفط في العالم من التوصل إلى اتفاق حول تجميد الإنتاج لأسباب من أهمها الخلاف بين السعودية وإيران وزيادة مستويات الإنتاج، إلا أن دعوة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى تعزيز التعاون بين البلدين وخصوصاً في مجال النفط، تفتح المجال واسعاً أمام عدد من التساؤلات حول حجم التعاون الخليجي الروسي الجديد.
ويرى البعض أن روسيا -من خلال حجم التعاون مع دول الخليج- ربما بدأت تراجع سياستها في الشرق الأوسط وتحالفها مع نظام الأسد وإيران، اللذين يعانيان من تراجع نفوذهما الإقليمي والدولي، في المقابل يتطلع الكرملين إلى نفوذ أخاذ يعيد له أمجاد زمن الاتحاد السوفييتي.