ماذا جرى.. وإلى أين؟!
الإثنين, 08 ديسمبر, 2025 - 08:51 مساءً

ماجرى في وادي حضرموت وصحرائها والمهرة ليس حدثاً منفصلاً، ولا انقلاباً مفاجئآ، بل هو المشهد الأخير في مسلسل طويل من الانهيار التدريجي لسلطة الشرعية اليمنية، حتى سقطت مواقعها موقعاً بعد آخر، وخسرت قرارها قراراً بعد آخر، ووجدت المليشيات—من كل لون—أن الطريق بات مفتوحاً لتصبح هي الدولة، فيما تتراجع الشرعية إلى الظل كأنها ضيف ثقيل في وطنها.
 
لقد قلنا هذا مراراً، وكتبناه، وصحنا به: إن هذا المسار سيقود إلى انهيار كامل، وإن ترك الساحة للمليشيات سيجرف اليمن نحو تقسيم لا يبقي ولا يذر، ومع ذلك، بدل أن نجد من يصغي، وجدنا من يخاصم من داخل الشرعية نفسها.
 
أما المجلس الانتقالي، فقد استنفد كل ما لديه من حجج. سيطر على الأرض… اكتملت الصورة. لم يعد أمامه عذر يتذرع به ولا خصم يختبئ خلفه. فإن لم يعلن “دولته” المزعومة الآن، وهو في ذروة السيطرة، فلن يقبل جمهوره منه بعد اليوم ادّعاء الحديث باسم الجنوب، ولا رواية “المظلومية” التي كانت سلّماً للوصول، ولا التبريرات التي أخفت خلفها سجلّاً من القتل والنهب والجبايات والفوضى التي مورست على مدى سنوات.
 
سيقف الانتقالي أمام مأزق وجودي، فكل الشعارات قيلت، وكل الأعذار سقطت، ولم يبق إلّا الامتحان الحقيقي… امتحان الدولة. والدولة—كما نعرف جميعًا—ليست “غنيمة” تُلتقط، ولا “نصراً إعلامياً” يُعلَن على الشاشات. الدولة مشروع طويل، يحتاج إلى: شرعية دولية، اعترافآ إقليميآ، مؤسسات قائمة بالفعل، حدوداً مستقرة، واقتصاداً قادراً على حمل نفسه… وقبل ذلك كله وحدة وطنية لا أثر لها اليوم في الجنوب، هذا إذا تجاوزنا الأشقاء في الشمال حول التراضي على فسخ عقد الدولة الواحدة وأعلنتموها بالقوة.
 
لقد دخل الانتقالي — من حيث لا يدري — مرحلة مختلفة تمامًا عمّا قبلها: مرحلة لا تُقاس بالسيطرة العسكرية على الأرض، بل بالحسابات الإقليمية، والالتزامات، والتوازنات، والضغوط الدولية التي لا يعرف وزنها إلّا من جرّب الاصطدام بها.
 
هذه ليست لحظة انتشاء… بل لحظة ميزان حساس، وليس كل ما يتحقق بالسلاح يُعد “مكسبًا” في السياسة؛ فبعض المكاسب الظاهرية تتحول في اليوم التالي إلى أكلاف مضاعفة، وملفات مفتوحة، وأبواب جديدة من التعقيد يصعب إغلاقها.
 
أما الأشقاء في المملكة، فقد خاطبناهم بصراحة وباحترام، سوى بشكل مباشر أو عبر الإعلام، وقلنا إن الإمارات تمضي باتجاه تقسيم اليمن بخطوات متتابعة لا يشوبها التردّد، وإن أي تعاون أو تهاون أو غضّ نظر سيشجعها على الذهاب إلى نهاية الطريق.
 
نبهنا إلى أن ما حصل في أغسطس 2019 لا يجوز أن يُعاد، وأن تكرار السيناريو يعني أن التصدعات ستتحول إلى شروخ، والشروخ إلى كيانات، والكيانات إلى حدود. لكن البيروقراطية السعودية بقيت على عادتها: تستقبل كل نداء، وتضعه في الأدراج، ثم تأتي متأخرة حين تكون الوقائع قد استقرت، والموازين قد اختلت، والأزمات قد تضاعفت، فتبدأ محاولة “لملمة” ما لم يعد قابلًا للملمة، ثم ننتقل بعدها إلى مشكلة جديدة تُعالج بنفس النفسية ونفس الأدوات… وننتهي إلى نفس الفشل المتوقع وهكذا دواليك.
 
أمّا اليوم، فإن المملكة معنية — بحكم قيادتها لتحالف دعم الشرعية ودورها وموقعها ومسؤوليتها الإقليمية — بموقف واضح مما يجري، لأن استمرار هذا الواقع لن يقتصر أثره على اليمن وحده، بل سيُنتج كلفة سياسية واقتصادية وأمنية لا يمكن تجاهلها. فعاصفة الحزم انطلقت لاستعادة الدولة اليمنية لا لفتح أبواب التقسيم، واستمرار الانزلاق الحالي سيحوّل “تحالف دعم الشرعية” إلى تحالفٍ بلا شرعية، وبلا هدف، وستجد المملكة نفسها مسئولة مسئولية مباشرة عن كل ما يجري في اليمن أن أنفرط كيان الدولة اليمنية.
 
إن نجاح مسار التقسيم — لا قدّر الله — لن يقف عند حدود اليمن، وسيترك تداعيات تمسّ الإقليم بأسره، لذلك فإن حكمة القيادة السعودية التي نعرفها ونعوّل عليها تبقى العامل الأهم في تصحيح المسار، وتعزيز استقرار اليمن، ومنع تفاقم وضعٍ باتت مخاطره تتجاوز حدود الجغرافيا اليمنية نفسها.

*نقلا عن صفحة الكاتب في منصة إكس

التعليقات