من نافذة مطلة على صنعاء الفاتنة حيث تتراقص الأضواء الخافتة على جدران البيوت الطينية، تتجلى مأساة شعب أسير أوهام الزمن الجاهلي، حيث يتساقط المطر ذهباً على قصور الأثرياء، ترى أن الفقراء يعيشون في ظلام دامس، يقتاتون على الفتات، في المدينة التي أصبحت مليئة بطحالب العصر والعفن، يطل مجموعة شباب طائشين ممن ينتسبون إلى جماعة الكهف والدجل على المدينة الملونة بالأخضر، يعيشون خيالاً لم يحلموا به، وترفاً لم يتصوروا الوصول إليه، فمن الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش، يشاهدون كيف أن اللعبة انطلت على ملايين الأغبياء الذين صدقوا هراء الذيول الإمامية المستبدة.
مشهد يعكس الصورة المظلمة الرجعية لليمن، إذ سبق وأن استخف فرعون اليمن أتباعه حين نادى بهم أن يتقطرنوا ويقوموا بدهان أجسادهم بالزيت الأسود "القطران" خوفاً من الجن الذين سيتربصون بهم إن لم يتقطرنوا.
كان اختباراً لشعبٍ عثى فيه الظالم فساداً، قرون من الجهل والضياع والتخلف، وسنون من النهب والفقر والاستبداد، حتى لم تعد عقول أولئك المساكين تعمل إلا بما يصدر من طيرمانة الإمام وغرفة السحر والظلام، إذ كان هو المحرك لهم والمفكر بالنيابة عنهم.
تكرر المشهد ويا للأسف، تكرر في القرن الواحد والعشرين، عصر الكاميرا والصورة، والبحث والمعلومة، والوعي والنضج المعرفي والفكري، تكرر ليثبت لنا أن الشعوب الفقيرة مهما تقدم العلم فإنها تبقى رهينة التخلف وحبيسة الاستعباد والخنوع.
لقد تحولت صنعاء إلى مسرح لعرض مسخرة تاريخية، حيث يتقمص الممثلون أدواراً لا تليق بهم. فبدلاً من أن يكونوا قادة نهضة، أصبحوا قادة ضلال، وبدلاً من أن يكونوا علماء دين، أصبحوا تجار دين، وبدلاً من أن يكونوا حماة الوطن، أصبحوا خونة الدين الوطن.
في ميدان المنافقين يحتشد عشرات الآلاف تاركين وراءهم مقلب مخلفات، احتفالاً بمولد النبي الكريم، لينتظروا ظل معتوه يحدثهم على استحياء عبر شاشات الكترونية، من وراء جدار، خوفاً على رأسه من أن تقتلعه رصاصة حرً يأبى أن يظل الخبث مسيطراً على بلده.
أوهموا المغفلين أن الجنة في طلاء أخضر يطلي بها المنتسب إليهم جسده مرة في السنة ليغتسل من آثام التكفيريين، فيعطى صك دخول الجنة مباشرة، ولربما يوصلونه إلى الدار الآخرة بأنفسهم بسرعة خاطفة.
احتفلوا بمولده وإذ أنهم قد أنكروا سنته واغلقوا المساجد التي تدعوا إلى اتباعه وأبطلوا شريعته ودينه القويم الذي جاء به، وأحرقوا الكتاب الذي أُرسل به وفجروا بيوت رب العالمين.
كان النبي نوراً فكانوا هم الظلام، وكان رحمة فكانوا هم الإجرام، وكان عدلاً فكانوا أركاناً للظلم والطغيان، هو النقاء والصفاء، وهم الخبث والوباء وهو أهل الرحمة والهداية وهم أهل النهب والجباية، يرون أنفسهم في صفحات الوحل فيظنون أنهم في السماء بجانب البدر، بينما لا تجاوز صفاتهم ظل أجسادهم، والمتشبِّع بما لم يُعْطَ كلابس ثَوْبَيْ زورٍ.
إن ما يحدث يعدُّ مأساة إنسانية، وفكرية واجتماعية، لذا يجب على كل حر وشريف أن يعمل على إنقاذ الوطن، وأن يكشف زيف هذه الجماعة، وأن يفضح ممارساتها الإجرامية، وكما يوافق ميلاد خير البشرية ومربي الأحرار شهر سبتمبر فيجب أن يكون سبتمبر ميلاد وطن الحرية والأحرار المجددين.