قالت إحدى الكاتبات المرموقة: "أي منتقد المنتحر حقير. هو ليس منتحراً بل شهيداً". وهذا القول، ليس قولها وحدها، بل كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تعاطوا قضية انتحار الشاب" فيصل" كعمل بطولي.! وإن كان ردي التالي على الكاتبة، هو في الحقيقة رداً على كل من يرى في الانتحار بطولة.
النص:
وفقاً لمنطقكِ أجدني" حقير" بصورة ما. لا يجب عليك تحقير أحد، نقاشي فكرة الآخرين بالمنطق العقلاني الفكري الفلسفي. قد تكون فكرة الذي حقرتيه، أعمق من فكرتك، إلا أنه قالها بشكل عابر، وليس لديه القدرة على التحشيد وخلق الشواهد، لبرر موقفه.. فيبدو مهزوما وهو المنتصر في الحقيقة.
وصف المنتحر "بالشهيد" وصف غير دقيق، هش، لا يستند لحقيقة ومنطق متين. وربما وأنت على بعد سطرين من شرحك وفلسفتك لحالة الانتحار بصوفها عمل بطولي ملحمي، سيتفكك عليك العمنى ويفقد سردك وجهته، ثم ستمضي بشرح مشتت وغير متزن؛ يضج بسمع القارئ ولا يقول له شيء.
ووفقاً لمنطقكِ أيضاً، "شهيد": التعامل مع المنتحرين بهذا اللطف والتبجيل! يمنح الظاهرة نوع من الصبغة المشروعة، والفعل البطولي، بالتالي؛ يساهم بصورة ما، مقالك هذا قد يساهم لدى متأثيرك، في إفساح مكاناً للظاهرة أوساطنا. فيكون كل من أصابه إكتئابٌ ما؛ أخذ الحبل وعلق نفسه. حتى تصبح مثل نشر الغسيل، نرى الموتى معلقين في كل مكان؛ يا لها من منظر مقزز ومشؤوم. ودليل عن حالة تردي شامل، ووجود خلل خطير؛ وجد ناس لا يقاومون!
وصفه بالشهيد؛ يقوض مبدأ المقاومة، الكفاح، الصبر، الجلد، يشنق الأمل، ويعلق التفاؤل على عرض شجرة فاقد الروح. بالمقابل؛ منحتِ الانهزام، الانكسار، التسليم، الخضوع، الضعف، الهوان.. و[ اليأس] الذي ليس من صفاتنا؛ روح العظمة والمجد. أو أنك بعتِ الأمل باليأس.! بثمنِ بخس: "فتى أديب وشاعر، واحد من سكان عالمنا الجميل" أو: لأسبابٍ تتعلق بسطحية النظر للأحوادث والأشياء من حولنا. القراءة بعين العاطفة وحدها.
أما وفقاً لنظرة الإسلام ، وهي نظر الفطرة السليمة، التي جاءت من أجل الإنسان، راشدةً حافظةً له:
الضعفاء، قليلي الصبر، مجردي الإيمان، فاقدي الأمل؛ وحدهم من ينتحرون، يتركون أنفسهم ضحايا لمفتراسات الحياة.
الحياة كلها، مخالب مفترسة، مالم تتسلح بما يحميك؛ ستسقط ضحية في أول مشوار تقطعه في غابة الحياة الموحشة!
واجهه ولا يزال، العظماء الذين يصنعون المجد والتغيير، يعيشون العمر بوقوف وثبات وأصالة؛ كل أنواع الإفتراسات، لم يستسلموا.. قاوموا، هُزموا وانهزموا.. وانتصروا أخيراً.
ولذا؛ حملنا الله، رسالة الإسلام، بمعنى: "الإنسانية والرحمة للعالمين" بكل هذء العبء الكبير والثقيل. وحمل رسالة الإنسانية والرحمة، طريقٌ محفوف بالمخاطر والشقاء! البشر أكثرهم، مصنع كبير للشر. يقول الله، كمعنى: واجهة الشر بأسلحته، وثق إني ناصرك. وإن مت في سبيل ذلك فجزاءك الجنة. الكفاح؛ هو أصل البطولة، هو الإنسان الذي أراده الله كخليفة في له أرضه. كهذا واجهة الأنبياء أقوامهم والحياة. وكهذا يواجهه كل من يحمل رسالة إنسانية، الحياة والناس. وهذا هو المعنى الجوهري لكلمة " الجهاد" التي حُرّف معناها عن هذا السياق: جهاد الشر، أي شر من أجل الخير، أي خير. ثم حصروا تلك الكلمة العظيمة في" الإرهاب" الذي لا يمت للإسلام بصلة.
الثقة بالله، والإيمان العميق به: قادر على إخراج المرء من مأزق الحياة الشرسة، حتى الموت في ظل ذلك؛ إطمئنان وسعادة.. القرآن، التأريخ، الحياة، مليئة بتلك الشواهد التي تؤكد هذه الحقيقة.
ملاحظة: حديثي هنا، عن (الانتحار نفسه، كعمل بطولي، يرقى صاحبه إلى درجة الشهيد، حسب الكاتبة والآخرين.. ) لا عن الرجل ولا الأسباب الدافعة، ولا الحياة القاسية التي يهرب منها المنتحرون. وقبل هذا كله: رحمة الله عليه.