نظام بشار الأسد 2018 هو نفسه نظام 2011 والسنوات التالية؛ فهو النظام ذاته الذي أزهق مئات آلاف من الأرواح في سوريا، وهناك أرقام متضاعفة من الجرحى والمعاقين، فضلا عن هجرة ونزوح نصف سكان البلاد.. أما دمار البنية التحتية، ومعالم العمران، فقد بلغت حداً أعاد البلاد إلى العصور الوسطى. ومع ذلك نشهد اليوم هرولة عربية مدهشة نحو دمشق.
أمس الأول، أعلنت دولة الإمارات عودة العمل بسفارتها في دمشق التي كانت قد أغلقتها مع اندلاع احتجاجات سوريا في 2011. وهكذا تبدّل موقف الإمارات بشكل دراماتيكي من مساندة ودعم مطلق للمعارضة السورية، وهي تسعى للإطاحة بالرئيس بشار الأسد إلى «دعم استقلال وسيادة سوريا ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في شؤونها» حسب بيان الخارجية الإماراتية.
في موازاة ذلك قيل أن الرئاسة التونسية أعطت الإذن لهبوط طائرة سورية في مطار المنستير التونسي، لأول مرة منذ ثماني سنوات. وقبيل هذه التطورات قام بها الرئيس السوداني بزيارة خاطفة إلى دمشق، التقى خلالها نظيره السوري. لعل العامل الأساسي في التحولات نحو سوريا هو سيطرت منطق القوة حتى في القرن الـ(21) فنظام الأسد وبعد 7 سنوات تمكن من تحجيم الثورة ضده، بشقيها السياسي والعسكري إن لم يكن قد دحرها بالكامل، وذلك بمساعدة الدولة العظمى روسيا التي ترى في بقائه خدمة لاستراتيجيتها في المنطقة والاحتفاظ بنفوذها في المياه الدافئة.
وسلّمت واشنطن بل أذعنت للواقع الروسي في هذه المنطقة وتم إرساء التفاهمات المطلوبة. فما بال الدول من دون أمريكا؟ حتما ستسلم لهذا الواقع بل وتهرول نحو الأسد (المنتصر) والمستفيد من التقاطعات الدولية في نطاق سوريا الجغرافي. والمهرولون نحو سوريا أنواع فمنهم يهرول حتى يقع على وجهه ومنهم من يتحكم في سرعته ويحاول حساب خطواته. ليست المشكلة في إدانة نظام الأسد لأن الأدلة موجودة، بيد أن المشكلة في نفاق النظام الدولي وضعف آلياته، فروسيا ظلت تعمل داخل مجلس الأمن على منع إدانة دمشق بسبب حق الفيتو.
ومع عدم إمكانية تصور إعادة إعمار سوريا في ظل استمرار نظام الأسد؛ يطلب الرئيس الأمريكي من جهته وفي صيغة أقرب إلى الأمر من السعودية التي يبدو أنها قابلة للابتزاز الأمريكي باستمرار، إعادة إعمار سوريا وفي ذات الوقت يعلن سحب قواته من سوريا. يُشار إلى أن الأرقام التي يروجها نظام دمشق لإعادة الإعمار تصل إلى 450 مليار دولار، بينما نجد أن تقديرات روسيا في حدود 250 مليار.
ويشير فارق الأرقام ما يمكن أن يحدث من عمليات فساد وسرقة. وعلى صلة بالموضوع نجد أن النفاق الدولي يتجسد في تحذير روسيا، للولايات المتحدة من ممارسة أي ضغوط على ترتيب الخلافة الملكية في السعودية. المؤلم أن الأمة العربية والإسلامية لم تزل في ضعف شديد لا يمكنها من ترتيبات أولوياتها بعيدا عن تدخلات الكبار. وبالرغم من أن التفاهمات الدولية فيما يتعلق بسوريا قد شمل اللاعبين الأصغر حجما مثل تركيا وإيران وربما إسرائيل بدرجات متفاوتة إلا أنه وجود للعرب في هذه التفاهمات، فإنما هم قوم تُبع يفعلون ما يؤمرون.
وإيران ومن واقع الاتفاق النووي مع الغرب يبدو أنها قد استوعبت لعبة التقاطعات الدولية وعلى استعداد لتكون جزءًا منها، ولولا سياسة ترامب الشاذة أو (غير العقلانية) وانسحابه من الاتفاق النووي من جانب واحد، لمضت الأمور بشكل أفضل بالنسبة لطهران.
أما فيما يتعلق بتركيا فإن الحذر والقلق تجاهها من جانب القوى الدولية سيكونان مسيطرين عليها؛ فتركيا دولة ديمقراطية وفي ذات الوقت قوية عسكريا واقتصاديا لكنها وسطية الإسلام وهنا تكمن هواجس الخوف والقلق لأن كل هذه المقومات قادرة على الإخلال بموازين القوى الدولية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، وهي موازين لا تعترف بأن الإسلام يمكن أن يكون قوة دولية مؤثرة، لا سياسيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا. فالخوف من تركيا بسبب إمكانية أن تفرض نفسها كلاعب مهم في موازين القوى الدولية وهذا حتى اليوم مرفوض من قبلهم جميعا، ولذا ستتبع القوى الدولية مع تركيا سياسة التحجيم والكبت والحصار المحسوب.
*عن صحيفة الشرق القطرية