لو أن العرب اتجهوا إلى إفريقيا وهم متحدون أو على قلب رجل واحد لمثّلت إفريقيا فتحا اقتصاديا وسياسيا للأمة العربية، لكن اليوم تنكبُّ دول بعينها على إفريقيا تؤزها خلافاتها وربما أحقادها لتنال من خصومها شركاء الدم والعقيدة والمصير، فأي درك وصلت إليه عداوة الشقيق لشقيقه؟.
الامارات والسعودية في توجههما نحو افريقيا تحركهما الازمة الخليجية رغم مرور أكثر من عام عليها ولمصر مآرب أخرى؛ ويأبى صانعو أزمة الخليج ومشعلوها إلا أن تمتد ألسنة لهيبها إلى أفريقيا التي لا تنقصها نيران الفتن والإحن. لم تكن استضافة الامارات لقمة ثلاثية ضمت أريتريا وإثيوبيا أن يأتي ضمن سياق بعيد عن الأزمة الخليجية ومحاولات الاستقطاب الحاد لدول أفريقية واستغلال أوضاعها الاقتصادية المتردية. وسبقت هذه القمة، قمة سعودية إريترية استضافتها الرياض. في ذات الوقت يعمل النظام المصري بأثمان مدفوعة ومعلومة على تحريض دول القارة ترغيبا وترهيبا، لجعلها تصطف مع محور الحصار على قطر.
ويبدو أن تركيز عُصبة دول الحصار منصبٌ حاليا على منطقة القرن الأفريقي (إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال)، باعتبارها المنطقة الأقرب جغرافياً، فالقرن الأفريقي يبعد مسافة 30 كلم عن اليمن عبر البحر الأحمر عند مضيق باب المندب، وبدرجة ما أيضا دول وسط وشرق أفريقيا التي تضم تشاد والسودان.
فبعد مُضي ثلاثة أشهر على الأزمة تمت دعوة الرئيس التشادي إدريس ديبي لزيارة أبوظبي بشكل عاجل ثم أعقبتها زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتشاد التي أعلنت من جانبها- بدون مقدمات وحيثيات منطقية - قطع علاقاتها مع قطر.
وهكذا غدا القرن الأفريقي مسرحا لتدافع خليجي محموم، فأقيمت قواعد عسكرية مقابل مساعدات سخية، بل وجدت دول القرن الأفريقي نفسها وسط تجاذب بين دول الخليج نفسها التي يجمعها تحالف الحصار، مثل السعودية والإمارات. فقد عملت الإمارات على إقامة قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري وتعتزم بناء أخرى في جمهورية أرض الصومال، التي أعلنت انفصالها عن الصومال الدولة الأم من جانب واحد منذ عام 1991 بدون اعتراف الأمم المتحدة. أما السعودية فقد بحثت إقامة قاعدة لها في جيبوتي.
واليوم يبدو ان اثيوبيا بدأت تميل لمحور السعودية والامارات رغم انها كانت قد عبرت - وهي الدولة الكبرى والأكثر تأثيرا في القرن الأفريقي- عن قلق بالغ إزاء هذا التسابق، وقال مسؤول بارز فيها إن ما يجري في القرن الأفريقي سببه الأزمة الخليجية، خاصة أن النشاط الذي تقوم به السعودية والإمارات يشكل تهديدا لإثيوبيا.
الميلان الإثيوبي تزامنت معه اضطرابات داخلية تهدد بشكل جدي أمن واستقرار البلاد؛ فبعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء الجديد آبي أحمد شديد التوثب حد الضراوة، شهدت اثيوبيا أمس الأول الخميس جريمة اغتيال مدير مشروع سد النهضة المثير للجدل والذي يجد اعتراضا شديدا من مصر. وأكدت الشرطة الإثيوبية على فرضية الاغتيال وقالت إن مدير مشروع سد النهضة المهندس سمنجو بكلي قتل بطلق ناري في رأسه من الجهة اليسرى من الخلف، وإنه وجد مقتولا في سيارته بأحد ميادين العاصمة أديس أبابا عند الساعة الثامنة والنصف صباحا. ويعد مدير مشروع سد النهضة من الشخصيات المهمة في إثيوبيا، ويدير هذا المشروع الضخم منذ وضع حجر الأساس قبل 7 سنوات. فهل بعد اليمن وليبيا جاء الدور على القرن الأفريقي وتحديدا إثيوبيا؟. تتعدد الدول والأماكن والفاعل واحد.
يخطئ آبي أحمد كثيرا في ظنه أن ضمان بقائه في منصبه رهين بالاتجاه نحو ذلك المحور المأزوم ومحاولة كسب رضا أبوظبي والرياض والقاهرة وأسمرا وتقديم تنازلات تثير عليه الداخل الإثيوبي شديد التعقيد وذي القابلية للعبث الخارجي.
*الشرق القطرية