سارعت قناة العربية السعودية، بعد ظهر الخميس، إلى الانسحاب من هيئة البث البريطانية (أوفكوم)، كإجراء استباقي، قبل أن تمثل أمام القضاء البريطاني بموجب الدعوة التي رفعتها وكالة الأنباء القطرية (قنا) ضد قناتي العربية وسكاي نيوز عربية لبثهما تصريحات مفبركة، وليس لها أساس من الصحة نسبت إلى أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، عقب تعرض موقعها للقرصنة، في 24 مايو/أيار الماضي. وبناء على هذه الشكوى، بدأت "أوفكوم" تحقيقاتٍ في المسألة التي يترتب عليها، حسب القانون البريطاني، غرامات مالية وإجراءات أخرى تصل إلى حدود منع ممارسة العمل والبث وسحب كل التراخيص وإلغاء التسهيلات في الفضاء الأوروبي.
ومن شأن انسحاب "العربية" من "أوفكوم" أن يحرمها من البث في بريطانيا، أو أي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما يجعل الشبكة خارج دائرة المؤسسات الإعلامية البارزة التي تخضع لجهات رقابية مرموقة، مثل "أوفكوم" التي تضمن التزام المؤسسات الإعلامية بأخلاقيات المهنة كالحياد والعدالة.
واعتبرت أوساط قانونية وإعلامية في بريطانيا مسألة خروج "العربية" من مجتمع المؤسسات الإعلامية، التي تخضع لمراقبة هيئة البث البريطانية، بمثابة تأكيد على صحة أنها كانت وسيلة في أيدي دول الحصار الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر) لبث الأخبار المفبركة ضد دولة قطر، وحظي قرار الانسحاب بردود فعل، ورأى بعضهم فيه اعترافا صريحا في أن القناة جزء من حصار غير قانوني على قطر، وهذا يعطي قطر الحق في ملاحقتها قانونيا في كل العالم، ويشكل، في الوقت نفسه، نصرا لقطر التي تعاطت مع مسألة قرصنة وكالة الأنباء بمهنية عالية، وأجرت تحقيقا شفافا كشفت عن نتائجه في مؤتمر صحافي قبل أشهر، ووضعت التفاصيل تحت تصرف المؤسسات الحقوقية الإعلامية الدولية المختصة، الأمر الذي شكل وثيقة دامغة على عدوانٍ قامت به الأجهزة الإماراتية.
لن تنتهي المسألة عند هذا الحد، فكل الوسائل الإعلامية التي اشتغلت على مدى الأشهر الماضية من أجل ترويج الافتراءات والأكاذيب وتبرير حصار قطر معرضة للمصير نفسه، وخصوصا قناة سكاي نيوز عربية التي تكشف مراجعة لموادها الإعلامية عن عمليات تزوير كبيرة وافتراءات ضد قطر وحض على الكراهية والحصار، واتهامات وفبركة وثائق حول الإرهاب، وهذه مسائل تفتح الطريق واسعا أمام مقاضاتها على أوسع نطاق، وقد يصل الأمر إلى حد تجريدها من رخصة سكاي نيوز البريطانية.
من شأن هذا الأمر أن يعيد الاعتبار إلى أخلاقيات المهنة، ويفرض احترام الحقيقة والمصداقية، وسيصبح على وسائل الإعلام أن تفكر كثيرا قبل أن تقفز فوق القواعد الأخلاقية المعروفة في العمل الإعلامي التي تسري على المستوى الدولي، وتطاول كل وسائل الإعلام بلا تمييز، ومن دون اعتبارات ملكيتها لهذا البلد أو ذاك.
ويأتي قرار قناة العربية الانسحاب من هيئة البث البريطانية ليدل على أمرين: الأول، سقوط إعلام الحصار، والانتصار القطري على جميع المستويات، سواء في ما يتعلق بالترفع عن التعاطي بالمثل مع افتراءات دول الحصار وهبوط مستواها الأخلاقي، أو رفض قائمة المطالب الـ 13 التي يتعلق بعضها بإغلاق أو وقف تمويل بعض وسائل الإعلام، مثل "الجزيرة" و"العربي الجديد". الأمر الثاني أن الضرر الذي ألحقته دول الحصار بالإعلام كبير جدا، وسيترتب عليه ثمن كبير تدفعه وسائل الإعلام من سمعتها ومصداقيتها وانتشارها، وما تتعرّض له "العربية" التي صارت مملوكة كليا لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، هو أول الغيث، وستلحق بها وسائل إعلام أخرى في القريب العاجل. وهنا تجب الإشارة إلى أن الأزمة التي تواجه بعض الصحف السعودية الصادرة في الخارج غير مفصولة عن هذه الأزمة.
عن العربي الجديد