حين تم وضع المبادرة الخليجية في إبريل/ نيسان عام 2011 من أجل رحيل الرئيس اليمني، حينذاك، علي عبدالله صالح، تدخلت السعودية، ورمت بكل ثقلها كي يحظى بالحصانة وعدم محاسبته على ملفات الماضي التي لا حصر لها، ومنها الاغتيالات السياسية، إعلان الحرب على الجنوب عام 1994، نهب المال الذي وصل إلى حدود 60 مليار دولار، الضلوع في الإرهاب ورعاية تنظيم القاعدة في اليمن.
يكمن سر اهتمام الرياض بحماية صالح في الحيلولة دون كشف المستور في علاقتها مع الابن اليمني المدلل الذي جاءت به عام 1978 ليحكم اليمن، ورشت القبائل والجيش وبعض القوى السياسية من أجل تأييده، وبقي هذا الموقف بمثابة دين في ذمّة صالح الذي تحول إلى خادم مطيع للسعودية، وخصوصا خلال فترة الحرب الأفغانية، حين استخدمت شمال اليمن لإقامة معسكرات تدريب للمجاهدين العرب، بإشراف الداعية اليمني عبد المجيد الزنداني المقيم في الرياض حاليا، والمطلوب للولايات المتحدة بتهمة الضلوع في الإرهاب. وكانت السعودية تدرّب المتطوعين العرب، وخصوصا من مصر وليبيا والجزائر، وترسلهم بجوازات سفر يمنية شمالية إلى معسكرات أسامة بن لادن في بيشاور، ليقاتلوا بعد ذلك القوات السوفييتية تحت إشراف المخابرات الأميركية، وهناك تأسست ظاهرة الأفغان العرب وتنظيم القاعدة.
تمرّد علي عبدالله صالح على المشغّل السعودي عام 1990، وانحاز إلى جانب الرئيس العراقي صدام حسين في غزو الكويت، فطردته الرياض من حظيرة الموالين، وغضبت عليه سنوات، لكنها عادت لتستخدمه لاحقا في موضوع ترسيم الحدود اليمنية التي وقّع عليها صالح، بما يلبي مصالح الرياض التي اقتطعت مساحات كبيرة من أراضي الجنوب في الربع الخالي، ودفعت عدة مليارات لعلي عبدالله صالح والشيخ عبدالله بن حسن الأحمر وبقية الحاشية، من أجل الموافقة على اتفاقية جدة عام 2000 التي ثبتت اتفاقية 1934 في ما يخص حدود الشمال، وترسيم حدود الجنوب، حيث تم تثبيت اقتطاع الوديعة والشرورة، بالإضافة إلى مساحاتٍ شاسعة من الربع الخالي تعد غنية بالثروات، وهي جزء من جنوب اليمن، وتشهد على ذلك خريطة الاستقلال التي سلمتها بريطانيا للجنوب عام 1967.
تاريخ العلاقات السعودية اليمنية حافل بالتجاوزات من الطرف السعودي، وهناك شعور عام راسخ لدى اليمنيين بأن كل شقاء اليمن مصدره السعودية. ولذا ليس مستغربا أن يعتبرها قطاع واسع من اليمنيين مسؤولةً عن وباء الكوليرا الذي تفشّى خلال الشهرين الماضيين، بمعدل خمسة آلاف حالة في اليوم، ليصل عدد المصابين حوالي مائتي ألف، حسب منظمة الصحة العالمية.
انتشر الوباء خلال شهرين، بسبب انهيار المنظومة الصحية من جرّاء الحرب التي تشنها السعودية ضد اليمن، وتراكم القمامة، وعدم ترك المحافظات المحاصرة تستقبل المساعدات مثل صعدة وحجّة وإب. ويزيد من ذلك الفقر الذي تفاقم بسبب انهيار الدولة وتوقف الرواتب، ويؤكد عاملون في منظماتٍ دوليةٍ أن الوفيات التي حصلت الآن، وهي قرابة ألفي وفاة، هي من أسر لا تملك قيمة العلاج.
والملاحظ أن الحرب تزداد ضراوة من دون أن تحقق أي هدف سياسي. وعلى الرغم من أنها تجاوزت عامين، تصر السعودية على اعتبارها السبيل الوحيد لمواجهة مشروع صالح والحوثي، وهي تذهب بها بلا أفق، على الرغم من الدمار الذي ألحقته والأمراض التي خلفتها.
هناك ما هو أبعد من لعبة الحرب والويلات التي أنتجتها، وهو مسألة مكافحة وباء الكوليرا ومنعه من الاستشراء، وهي عملية أقل كلفة، في الأحوال كافة، من طائرة إف 15 أميركية.
والسؤال مطروح على السعودية التي تعتبر اليمن حديقتها الخلفية، تقرّر له ما تريد، وهو يدخل زمن الكوليرا.
*العربي الجديد