أخيراً تبينت ملامح الموقف السعودي من العبث الذي تديره الإمارات في المحافظات المحررة من جنوب اليمن، ذلك العبث الذي كاد أن يفجر حرباً أهلية طاحنة في شباط/ فبراير الماضي، على الخلفية ذاتها من الصراع بين المكونات الجنوبية الذي أعادت أبو ظبي تأسيسه من جديد من خلال التشكيلات العسكرية الجهوية واللاوطنية في عدن حضرموت وغيرها من المحافظات الجنوبية.
وصول قوات من لواء المغاوير وهو من نخبة الجيش السعودي لتأمين المنشآت والمرافق السيادية في العاصمة المؤقتة عدن، يشير بوضوح إلى نهاية اللعبة الخطرة أو توقفها عند الحدود الآمنة في هذه المنطقة المهمة من البلاد، ويعكس رغبة سعودية قوية لوضع حد للصراع على النفوذ الذي كادت أبو ظبي أن تحسمه لصالحها لكن على أرضية متوترة وسلطة شرعية متذمرة، بلغ بها الحال أن شكت بالتحالف العربي لأول مرة، عبر البنك المركزي اليمني الذي فضح المنع المتكرر من جانب الإمارات لطائرات تحمل العملة اليمنية المطبوعة في روسيا والمقدرة بنحو 400 مليار ريال.
في الحقيقة لا أحد كان يرغب في الحديث عن التحالف العربي إلا بكونه هبة إنقاذ من أشقاء عرب لبلد أنهكته الحروب وشهد انقلاباً خطيراً لم يأت مجدداً بالنظام الذي ثار عليه الشعب اليمني إلى السلطة في صنعاء فحسب، ولكنه أيضاً سلم هذه العاصمة هدية ناجزة لنفوذ إيران التي لطالما تطلعت إلى التواجد في هذه البقعة من العالم محكومة بدوافع جيوسياسية وأخرى طائفية، وعينها دائماً على الخصم التقليدي الأهم لها في المنطقة وأعني به السعودية.
لكن الذي حدث هو أن تطورات الأحداث في العاصمة المؤقتة عدن، برهنت على أن الإمارات تمضي رغم أنف الجميع في تأسيس نفوذها الخاص، إلى حد تبدو معه الحرب مع الانقلابيين مهمة ثانوية لها، قياساً باندفاعها الخطير نحو تصفية السلطة الانتقالية ومعها القوى السياسية الداعمة لها، واجتثاث نفوذ قوى الثورة من الميدان.
لذا رأيناها تُنشئ المعسكرات والقواعد الحربية، والسجون الكثيرة، التي ابتلعت الآلاف من اليمنيين المحسوبين على خط التغيير والثورة والمؤمنين بالدولة الاتحادية، وغيَّبتهم وسحقت العشرات منهم تحت وطأة التعذيب، وبالغت في إظهار شراكتها مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، واعتبارها أولوية الأولويات بالنسبة لها.
وأخيراً ما تردد من إصرار من جانب أبو ظبي على إنهاء مهمة واحد من أنجح المحافظين الذي تولوا المسئولية في العاصمة المؤقتة عدن، على وقع تغييرات كبيرة أحدثها منذ تسلمه مهام منصبه أوائل أيار/ مايو الماضي.
هذا الإرث الخطير من الممارسات الإماراتية، لم يبق خياراً أمام السلطة الشرعية التي وجدت نفسها تخوض صراعاً وجودياً مع الإمارات، وهو الصراع الذي حاولت تجنبه طيلة الفترة الماضية، والتغطية عليه بالتصريحات المغلفة بقدر كبير من النفاق السياسي ومداراة المرارة والإحباط.
تحملت المملكة العربية السعودية مسؤولياتها حيال فوضى عدن، وبقي أن تبرهن أنها بالفعل جاءت لتنهي كلياً أسباب الصراع في العاصمة المؤقتة على قاعدة احترام الأسس التي تحكم تدخل التحالف العربي في اليمن، باعتباره عوناً للشرعية وليس عبئاً عليها، ونصيراً للسيادة الوطنية وليس مهيمناً غير مرغوب فيه.
من الواضح أن التدخل السعودي المتأخر لإنهاء النزاع في عدن، سيحيد النفوذ الإماراتي إلى حد ما في الجنوب، ومن المرجح أن تمثل عودة الرئيس هادي المرتقبة والنهائية إلى عدن، التي ربما كانت أحد نقاط البحث الأساسية في لقائه مع العاهل السعودي الملك سلمان في مقر إقامة الأخير بمدينة طنجة المغربية، مؤشراً جدياً على أهمية الخطوة السعودية، وحين يحدث ذلك فإن الأمل باستقرار الأوضاع في المناطق الجنوبية المحررة سيتعزز.
لكن من السابق لأوانه الحديث عن تراجع نفوذ الإمارات أو استسلامها للخطوة السعودية، فاستمرار التنسيق الإماراتي مع القوى المزعزعة للاستقرار في الجنوب وهي في الغالب قوى حراكية مرتبطة بأجندات خارجية، سيبقى ويستمر على الأرجح، وسيستمر التفويض من جانب السعودية للإمارات لقيادة العمليات العسكرية في الجنوب وفي تعز ساحلها الغربي.
*عربي21