يقاتلك ويدعوك بعدها لمصالحة، إنه القبيلي المتخفف من عبئ القتال حتى النهاية والسياسي الذي لا يلتزم بصداقة حتى النهاية.
ينتقم وينكل ويحرق بيتك ثم يرسل بندق تحكيم.
كان تصريح البارحة اقرب لطبعه ، منذ جلوسه على الكرسي اول لحظة وهو يجر الواقع اليمني ويديره بطبعه ووجد الأمر ملائما وناجحا ولا يزال يتأكد لديه جدواه حتى الآن.
هذا الارتجال والمباغتة هو ما ابقاه متقدما على خصومه بخطوة منذ السابع عشر من يوليو 77 وحتى البارحة.
من يمكنه التهكم من دعوة كهذه ؟ مصالحة وطنية ، أيا تكن دوافعها ومهما بدت مباغتة وغير مفهومة ومن رجل يدعوا جميع القوى التي لا يجمعها شيئ اكثر من عداوته ،يدعوها للمصالحة .
ما أعرفه اننا بحاجة للمصالحة الآن أكثر من حاجتنا للانتقام ، واذا كان هو قد دعى اليها بعد ان تحقق انتقامه ، فيجدر بالآخرين الاستجابة لا سيما وقد اخذت انتقاماتهم شكل النيل من وطن بعد ان تبين ان كل محاولة منهم لتوجيه ضربة اليه قد استقرت في جسد الوطن.
انا لن أنهك الفكرة بحديث " رغم انه كذا لكنه كذا "ولست معنيا هنا بتشريح شخصيته او الانصاف او تلك الطريقة المتحاذقة الأقرب للفهلوة وانا اعتمد على الفكرة ونقيضها ، انا بحاجة لبلد راودني امس حلم استعادته بالمصالحة ولو مع رجل نقول ان الوطن بيده ، فقط ليس علينا التخلي عن كل فرصة لأجل رهابنا التاريخي من صالح ، هو الآن يصرح عن فكرة سلام وحاجة وطنية فلا تتركوها له على الاقل ، وبنفس الاسلوب السلبي وهو التخلي عن كل شيى للمكار ، فكروا انه وان لم يكن عليكم الاذعان لصالح لكن يجب الاذعان للبلد وتقديم تنازلات مؤلمة ، اتحدث هنا للوطنيين المضطرين في المنافي وفي الداخل وليس للمستفيدين من الحرب في مراكمة الأرصدة ، الذين يتهددهم ما اطلقه صالح البارحة من دعوة مصالحة وليس ما يطلقه من صواريخ تضمن سلامة تجارتهم الدامية، صالح هو ما هو عليه وليس مأزقي الاخلاقي الآن.
أنا ابحث للمصالحة عن حس فضيلة مقابل رذيلة الحرب حتى اخر رجل ، ولن اتحدث كما هو معتاد مستخدما تفاصيل شخصية في لقائين بصالح كنت في الأول قد صافحته بدهشة وفضول قروي يتملى الرئيس الذي يبدو اقصر مما هو عليه في التلفزيون ، ولا استحضر هنا شهادة ديمقراطية لصالحه وهو في اللقاء الثاني يقول لي : اكتب اكتب اللي برأسك ما يهمك أمن سياسي أمن قومي أمن مدري ما هو .
ذلك ان الأمن سياسي أو قومي أو مركزي قد اقترف لاحقا بعد مغادرته دار الرئاسة كل الذي كان صالح قد ارجأه وهو رئيس يجهد ان يبدو متسامحا ، حقا وادعاء.
لكنه الآن يدعو لمصالحة ، ولم يكن في السنوات الاخيرة بعد الحكم مسئولا وحده عن خطايا سياسة ما بعد عهده ، تلك الخطايا التي تورط فيها الجميع ، بمكر أو بسذاجة.
هو الآن يقول لكم : لنبدأ من جديد ، وان كان ماكرا بدعوته هذه فلا تتبعوا سذاجة الرفض بمزاج من يرفض فقط حتى لا يخدع من جديد ، وإن كان صالح قد أخطأ فلستم ابرياء بالمقابل.
إن البدايات الجديدة تتطلب الاقدام على الصواب بعد سلسلة خطايا اقترفناها جميعا بشجاعة .
الحكاية بلد نريد استعادته، ولو بالإصغاء لرجل فشلنا في إزاحته.
ما اخشاه هو انه لم يعد بأيدينا لا تصديق صالح ولا رفض مصالحته ، ذلك اننا وقد منحنا الخليجي حق الحرب فلم يعد بوسعنا الوصول مع بعضنا لسلام الشجعان .