كان عبدالله أحمد عبدالله يعيش حياة خالية من الهموم، حيث يسعى في البحر مع والده وإخوانه باحثين عن السمك بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.
الشاب البالغ من العمر 11 عامًا من قرية ساحلية في منطقة الدريهمي بالحديدة، حيث يعمل معظم الناس، بمن فيهم الأطفال، في صيد الأسماك لإعالة أسرهم وحيث لا يكون التعليم ضرورة، وفقا لتقرير لموقع "ميدل ايست آي" الذي ترجمه للعربية "الموقع بوست".
وفي عام 2017، وصلت المعارك بين الأطراف المتناحرة في الحرب الأهلية اليمنية إلى القرية، مما دفع عائلة عبد الله إلى الفرار إلى مكان أكثر أمانًا على الساحل الغربي.
في غضون عام واحد، استعادت القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا القرية، وتمكنت عائلة عبد الله وآخرين من العودة إلى منازلهم.
وقال عبد الله لموقع Middle East Eye: "عدت إلى البحر مع والدي وأخي وجيران آخرين. كنا سعداء بالعودة إلى منازلنا واستئناف عملنا".
ومع ذلك، فإن سعادتهم لم تدم طويلاً. كان الساحل الآن مليئًا بالألغام الأرضية الفتاكة.
وقال "ذات صباح، عندما عدت من البحر مع أخي نادر، أخذنا كتلة من الحديد وجدناها على الأرض، معتقدين أنها شيء يمكننا اللعب به".
كان عبد الله يعلم أن بعض الجيران كانوا ضحايا ألغام أرضية، لكنه لم يكن على علم بما تبدو عليه الألغام الأرضية أو الأجهزة المتفجرة الأخرى. مثل الأطفال الآخرين في منطقته، اعتقد أنه يستطيع اللعب ببقايا أشياء عشوائية تركت على الأرض.
وأضاف "في اليوم التالي لعبنا بالجسم الحديدي. لم نكن نعلم أنه كان عبوة ناسفة". "عندما بدأنا نلعب بها، انفجرت، وتوفي شقيقي على الفور وأصبت أنا بجروح خطيرة".
ووفقا للموقع، فقد تم نقل عبد الله ونادر إلى المستشفى، لكن نادر كان قد مات بالفعل، بينما كان عبدالله ينزف بغزارة فاقدًا للوعي.
إعاقات وصدمات
"عندما استعدت وعيي ، قيل لي إنني أصبت بانفجار لغم أرضي كنت ألعب به، لكنني لم أكن على علم بما حدث بالضبط. كنت أنظر إلى جسدي فقط وأبكي، واستمريت في فعل ذلك لعدة أيام".
فقد عبد الله قدمه اليمنى ويده اليمنى، بينما أصيبت يده الأخرى بالشلل بسبب شظايا. فقد إحدى عينيه، وقد يفقد الأخرى إذا لم يحصل على الرعاية الصحية المناسبة، بحسب أسرته.
وقال والد عبدالله أحمد، الذي يعمل صيادًا، لموقع Middle East Eye إن العديد من سكان منطقته داسوا على الألغام الأرضية. لقد قُتلوا أو أصيبوا، واضطر الناجون إلى بيع كل شيء لتغطية نفقات العلاج.
وتابع "لقد بعت كل شيء للحصول على الرعاية الصحية المناسبة لعبد الله، ولكن دون جدوى. قد يفقد البصر في أي وقت، لأنه يحتاج إلى رعاية صحية متخصصة".
ويعتمد عبدالله على والدته لمساعدته في حياته اليومية. حقيقة أن حركته وظهوره ضعيف قد دمره فعلا. وقال أحمد "عبد الله يعاني من صدمة نفسية. في بعض الأحيان وخاصة عندما يتجادل مع إخوته يحاول القفز في بئر الماء". مات نادر رحمه الله، لكننا نشعر بالحزن أكثر على عبد الله، فهو أمامنا ونشهد معاناته كل يوم.
ومنذ عام 2018، تسببت الألغام الأرضية والعبوات الناسفة والذخائر غير المنفجرة في مقتل أو إصابة ما لا يقل عن 1424 مدنيًا في اليمن، العديد منهم من الأطفال، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي ينسق الاستجابات العالمية لحالات الطوارئ لحماية الأشخاص في الأزمات الإنسانية.
وقال مدير المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام، العميد أمين العقيلي، في أبريل/ نيسان 2021، إن الألغام الأرضية قتلت أكثر من 8000 شخص، بينهم أطفال ونساء، منذ بداية الحرب في سبتمبر / أيلول 2014.
واتهم العقيلي المتمردين الحوثيين بزرع الألغام الأرضية، مشيرا إلى أن الألغام الأرضية قتلت أيضا 61 من فنيي التخلص من القنابل التابعين للقوات الوطنية الموالية للحكومة.
وقال العقيلي إن "فنيي التخلص من القنابل الموالين للحكومة فككوا ودمروا أكثر من 689 ألف لغم وعبوة ناسفة خلال السنوات الست الماضية في الدولة التي مزقتها الحرب".
دمرت العائلات
أحمد النهاري، 17 عامًا، من منطقة التحيتا بالحديدة، عمل أيضًا في الصيد مع والده وأشخاص آخرين في قريته الساحلية.
ذات يوم في أغسطس 2018، بينما كان عائدا مع والده من البحر، داس على لغم أرضي. ثم داس والده على لغم أرضي آخر وهو في طريقه لمساعدة ابنه.
وقال النهاري لموقع Middle East Eye: "لقد ألقى الانفجار بكل واحد منا إلى جانب مختلف. كنت أنظر إلى والدي، لكن لم يستطع أحد أن يساعد الآخر".
"في غضون دقائق قليلة، تمكن بعض الصيادين من إخراجنا من حقل الألغام الأرضية، وأرسلونا إلى المستشفى. لكن جروح والدي كانت خطيرة، فتوفي".
الشاب النهاري فقد ساقه ووالده في يوم واحد. لم يعد بإمكانه العمل، بينما لم يعد لأفراد الأسرة التسعة معيل.
وقال "بالكاد أتحرك بمساعدة العكازات ولا أستطيع العمل. كنت أعمل وأساعد والدي، لكن الألغام الأرضية غيرت حياتنا للأسوأ".
وقالت سليمة، والدة النهاري، إنه بصفته الأكبر بين إخوته، من المفترض أن يكون المعيل، خاصة الآن بعد وفاة والده، لكن للأسف لم يعد بإمكانه الذهاب إلى البحر.
وقالت سليمة "آمل أن يساعد شخص كريم أو منظمة ابني بساق اصطناعية حتى يتمكن من الإبحار مرة أخرى".
أسلحة طويلة الأمد
عبد الجبار الزريقي يعمل على إزالة الألغام منذ سنوات في المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام.
قال الزريقي لموقع Middle East Eye إنه يستخدم التقنيات التقليدية، حيث لا يوجد في اليمن كاسحات ألغام حديثة، لذلك يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يكتسحوا مساحة صغيرة.
وقال "إزالة الألغام ليست سهلة. تستغرق وقتا وهي خطيرة. لا يمكننا تخمين موقع شبكة الألغام الأرضية. لهذا السبب قُتل بعض الزملاء أثناء إزالة الألغام".
وتابع "عادة، نقوم بتفتيش الطرق الرئيسية ونضع لافتات تحذيرية على المناطق المشتبه بها حتى يتمكن الناس من تجنبها".
وقال إن اليمن بحاجة إلى دعم في إزالة الألغام والعبوات الناسفة لتقليل عدد الضحايا في المستقبل. "لقد زرعت الألغام الأرضية بكثافة في المناطق الساحلية. لسوء الحظ، لا يمكننا البحث عن الألغام الأرضية في كل مكان."
وقال الزريقي إن بعض الألغام الأرضية تظهر بعد هطول الأمطار، وأخرى مزروعة في مناطق غير متوقعة، ما يشكل أكبر تهديد للمدنيين.
وأردف "الألغام الأرضية أسلحة طويلة الأمد. حتى لو انتهت الحرب، فإنها ستستمر في قتل المدنيين حيث لا أحد يعرف شبكة تلك الألغام".
واستطرد الزريقي "اليمن بحاجة ماسة إلى الدعم في إزالة الألغام، حتى يتمكن الناس من استئناف حياتهم الطبيعية على الأقل عند انتهاء الحرب".
*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست