[ احتجاجات في المهرة ضد التواجد العسكري السعودي ]
نشرت مؤسسة بحثية مقالا لمحلل استخبارات سابق في البحرية الأمريكية تحدث فيه حول الأطماع السعودية الإماراتية في المهرة.
وقال كاتب المقال براين بيركنز وهو مدير استخبارات في شركة استشارات المخاطر الكبيرة، إن الحرب الجارية في اليمن تسببت في إحداث فوضى عارمة في معظم أنحاء البلاد، مما أدى إلى انهيار مبانٍ عمرها يزيد عن قرون من الزمن وتدمير البنية التحتية الحيوية ومقتل أعداد كبيرة من المدنيين.
وذكر أنه مع امتداد القتال إلى أطراف البلاد إلا أن بعض المناطق تمكنت من تجنب وطأة الحرب، ومعظمها بسبب عزلتها وسكانها المتناثرين، إضافة إلى الافتقار إلى الأهمية الإستراتيجية وأحد هذه الأماكن هي محافظة المهرة اليمنية الواقعة في أقصى شرق اليمن.
وتأتي المهرة في المرتبة الثانية بعد محافظة حضرموت من حيث الحجم، وتدير كامل طول الحدود مع عمان من بحر العرب إلى الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية.
وأضاف بيركنز أن حجم المهرة وموقعها الجغرافي على طول الحدود بين كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان يجعلها منطقة مراقبة ومطلوبة ليس فقط خلال الحرب ولكن أيضًا كلما تراجعت الأعمال العدائية.
وكشف مدير استخبارات شركة استشارات المخاطر الكبيرة أنه سرعان ما أصبحت المهرة موقعاً للصراع على السلطة فيما يتعلق بتوفير الأمن في المنطقة مما يثير مزيدًا من التساؤلات حول الآثار طويلة المدى المحيطة بالمصالح السعودية والإماراتية وانتشار قوات الأمن المدربة في الإمارات العربية المتحدة.
مشاركة سعودية وإماراتية في المهرة
يقول جنرال استخبارات البحرية الأمريكية السابق إن المهرة تتمتع كونها بعيدة عن قلب الحوثي مما يسمح لها تجنب احتلال الحوثي والقصف اللاحق من قبل المملكة العربية السعودية، ونجت المحافظة إلى حد كبير من العنف على أيدي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية، على الرغم من أن كلا المجموعتين لديها عناصر في المنطقة إلا أن التطرف لم يكن مشكلة في المهرة تاريخياً وكانت حوادث العنف نادرة بشكل عام.
واستطرد "مع ذلك، فإن المصالح المتباينة للقبائل المحلية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلقت بيئة قابلة للاشتعال تهدد بإحداث خلل في التوازن المحلي".
وذكر بيركنز أنه بين عام 2015 وأواخر عام 2017، كان يتم التحكم في المهرة بشكل أساسي من قبل الكتيبتين 123 و137 من الجيش اليمني، اللتين تتألفان إلى حد كبير من الجنود الشماليين وأنصار الإصلاح، وهو حزب إسلامي مرتبط بالإخوان المسلمين.
وتابع الكاتب في مقاله الذي نشرته مؤسسة جيمس تاون وهي مؤسسة أمريكية تعنى بالبحث والتحليل أن المملكة العربية السعودية بدأت في زيادة تواجدها في منتصف نوفمبر 2017، حيث سيطرت على مرافق المحافظة من ميناء نشطون، ومعبر صرفيت وشحن الحدوديان ومطار الغيضاء، مع إقامة مواقع عسكرية حول البنية التحتية الرئيسية والمناطق الساحلية.
وأضاف الكاتب وهو يسرد التطورات التي شهدتها المهرة في ظل الأطماع السعودية الإماراتية أن الرئيس هادي أقال العسكريين والحكوميين الذين ينحازون إلى المملكة العربية السعودية، ثم عيّن راجح سعيد بكريت في منصب محافظ المهرة في 27 نوفمبر 2017 ليحل محل محمد عبد الله كدة بعد أن تحدث ضد وجود السعودية.
وكشف جنرال استخبارات البحرية السابق أن السعودية نشرت قواتها تحت غطاء إعادة الإعمار وعمليات التهريب المضادة، ولكن هناك أسباب تجارية وجيوسياسية أساسية.
وقال بيركنز إن المملكة العربية السعودية تزعم أن المحافظة كانت بمثابة نقطة عبور رئيسية للأسلحة والنقود وغيرها من المواد المهربة عبر عُمان وإلى اليمن للحوثيين إما عن طريق المركبات عبر المعابر البرية أو المراكب الشراعية عبر البحر وإلى شواطئ المهرة.
وأضاف مدير استخبارات شركة استشارات المخاطر، أن التهريب بلا شك صناعة رئيسية في المهرة، ويرتبط ارتباطاً وثيقا بشبكات المحسوبية القديمة وشيوخ القبائل، بالإضافة إلى الحوثيين، استفاد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش من التهريب عبر الحدود.
وأشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن شخصيات بارزة من تنظيم الدولة الإسلامية تسافر بشكل روتيني لتلقي المدفوعات وتنسيق أنشطة التهريب بينما أبلغ السكان المحليون عن قيام عناصر القاعدة بتنسيق خطط مماثلة.
ولتحجيم التهريب طبقت السعودية تعريفات باهظة، وقامت بتقييد بعض السلع التي تعبر الحدود من سلطنة عمان، ونفذت قيوداً على الصيادين المحليين تم تخفيفها لإحباط عمليات التهريب عند معبر صرفيت وشحن، وعبر مراكب شراعية مماثلة لتلك المستخدمة من قبل الصيادين المحليين.
وذكر الكاتب أن السعوديين حاولوا كسب المزيد من السكان المحليين من خلال وعدهم بمشاريع إعادة الإعمار مثل الآبار ومحطة المياه والمدارس والمستشفيات والتي ستنفذها الهيئة السعودية للتنمية والإعمار، في حين قوبلت العديد من هذه المشاريع بالترحيب وحسنت نوعية الحياة العامة لكثير من سكان المهرة وما زالت نسبة كبيرة من السكان تشعر بالقلق إزاء أهداف التحالف السعودي على المدى الطويل.
وأثار البناء السعودي احتجاجات شعبية طوال عام 2018 من قبل السكان المحبطين مما وصفوه بأنه احتلال سعودي لمنطقة سلمية تاريخياً في البلاد، ونمت الإحباطات فقط في أغسطس بعد أن كشفت وثيقة مسربة عن نية المملكة العربية السعودية لبناء خط أنابيب نفط يحمل النفط من المملكة العربية السعودية إلى ساحل المهرة، مما يتيح الوصول المباشر إلى المحيط.
وبصرف النظر عن المصالح التجارية، تسعى المملكة العربية السعودية دون شك للتحقق من نفوذ عمان في المنطقة، حيث تتشارك في العديد من القواسم المشتركة مع العمانيين ولها تاريخياً علاقات عظيمة مع الدولة.
وأوضح بيركنز وهو مدير استخبارات في شركة استشارات المخاطر الكبيرة أن التدفق الأخير للسلفيين والمشروعات المخطط لها مثل المركز الديني الذي ترعاه السعودية في قشن - مثل المركز الموجود في دماج - إلى إثارة الإنذارات حول احتمال صعود السلفية والتفكير المتطرف داخل السكان المحليين. في الوقت الذي دعم فيه العديد من زعماء القبائل الاحتجاجات في البداية، قام العديد منهم منذ ذلك الحين بسحب الدعم مما خلق انقسامًا جديدًا بين القبائل التي عملت بشكل جماعي تاريخيًا للحفاظ على النظام في المحافظة. غير أن القبائل المحلية والمجلس العام في المهرة اتفقوا في الغالب على إعادة الأمن إلى أيدي المهريين المحليين لكن تطور تلك القوة كان بطيئًا مما سلط الضوء على القضايا الأساسية لدور الإمارات في عسكرة المجتمعات المحلية وفق الكاتب.
تشكيل القوات العسكرية الجنوبية
وطبقا لكاتب المقال فقد أظهرت الإمارات العربية المتحدة، وبدرجة أقل، المملكة العربية السعودية ميلاً لتأمين المواقع الإستراتيجية وعسكرة المجتمعات المحلية عبر المحافظات التي كانت تضم في يوم من الأيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بما في ذلك جزيرة سقطرى الإستراتيجية. وقد تم الإعلان عن المصالح السعودية والإماراتية في عدن والمكلا، وهما الميناءان البحريان الحيويان وعاصمتا محافظتيهما، لكن تورطهما في المهرة كانا في الغالب مرصودا.
وبحسب بيركنز فإن الإستراتيجية الأمنية لدولة الإمارات العربية المتحدة تستند في جنوب اليمن إلى الاستقطاب والتدريب وتجهيز القادة العسكريين المحليين والناشطين والقبائل وأي شخص لديه أسباب مقبولة.
وبين أن الإمارات بدأت إستراتيجيتها بإدراج المقاومة الجنوبية وتنظيم العديد من المليشيات التابعة لها في "الحزام الأمني"، الذي ركز في البداية على محاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش.
وذكر أنه منذ ذلك الحين تم تكرار نفس النموذج الأساسي في حضرموت وشبوة مع تأسيس قوات النخبة الحضرمية وقوات النخبة في شبوة. هذه القوات مأخوذة من مجموعة أساسية من القبائل في كل منطقة والعديد منها لها روابط تربطها بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى إلى حكم جنوب اليمن وإقامة دولة مستقلة جديدة هناك.
وكشف بيركنز أن المجلس الإنتقالي الجنوبي لا يقود هذه القوى التي شكلتها الإمارات مثل النخبة الشبوانية والحزام الأمني وغيرها، موضحا أن روابطها مع الأعضاء والعلاقة الوثيقة مع الإمارات العربية المتحدة تخلق تقارباً في المصالح المشتركة.
وقال براين إن القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة ساهمت بشكل كبير في إزالة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش من عدن والمكلا، إلا أن الأولويات التشغيلية يشوبها انحراف شديد بسبب المصالح الإستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة ولا سيما حقول النفط في شبوة، محطة تسييل الغاز الوحيدة في البلاد في بلحاف ومحطة النفط في الشحر وأبرزها الموانئ البحرية في جنوب اليمن.
وأكد أن التشكيلات المسلحة التي تدعمها الإمارات مرتبطة بتصعيد عمليات الاغتيال المستهدفة والاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب ومجموعة من الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، وبالإضافة إلى ذلك فإن قوات الأمن هذه بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة تعارض بشدة الإصلاح، وقد شاركت بانتظام في اشتباكات مع أعضائه وقيل إنها نفذت اغتيالات مستهدفة ضد أعضاء من الجماعة.
وكشف محلل الاستخبارات السابق في البحرية الأمريكية، أن المجلس الانتقالي الجنوبي حصل على دعم كبير لا سيما في عدن منذ إنشائه في أبريل 2017، وقد فتحت المنظمة مكاتب وإنشاء مجالس محلية في كل محافظة جنوبية بما في ذلك المهرة مع الحفاظ على علاقات وثيقة بشكل استثنائي مع الإمارات العربية المتحدة.
وبحسب بيركنز فقد قام المجلس الانتقالي الجنوبي وممثلوه المحليون بنشاط تجنيد أعضاء في المهرة، وعلى الرغم من أن بعض النخب المحلية تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي إلا أنهم وجدوا أن هذه العملية أصعب مما كانت عليه في المحافظات الأخرى.
وبين أن المهريين لايشاركون من الناحية التاريخية نفس الشعور بدولة يمنية جنوبية مستقلة تتكون من نفس المحافظات مثل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة. في الواقع، لأنهم يفضلون دولتهم المستقلة على الرغم من عدم وجود نفس المستوى من الجهد لإنشاء واحدة.
وواجهت تقارير دولة الإمارات العربية المتحدة التي أنشأت قوة نخبة مماثلة في المهرة في نوفمبر 2018، تصريحات علنية للعديد من النخب القبلية رافضة خطة الإمارات بإنشاء النخبة المهرية.
وقال إن من بين الأسباب الرئيسية لمعارضة أبناء المهرة تشكيل مثل هذه القوة هو الحفاظ على مواقف المهرة السياسية وتجنب التأثير من المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات العربية المتحدة.
واستطرد بيركنز "على الرغم من الدعوات ضد قوة النخبة المهرية، فإن المجلس الإنتقالي الجنوبي والإمارات العربية المتحدة يعملان بنشاط في تجنيد وتدريب المهريين والذين هم من خارج المحافظة".
وكانت تقارير إعلامية حديثة وملصقات صورت انتشار قوة النخبة المهرية لكن العديد من الصور التي تدعي أنها في المهرة كانت في الواقع من اجتماع المجلس الانتقالي الجنوبي الأخير في حضرموت، وعلاوة على ذلك، نفى السكان المحليون إنشاء قوة مدربة في الإمارات ونشرها في المنطقة لكن الإمارات ستواصل دون شك متابعة القضية.
استنتاج
وخلص كاتب المقال إلى أن سعي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتأمين مصالح إستراتيجية وجيوسياسية على المدى الطويل في جنوب اليمن، وعسكرتهما للمحافظات الجنوبية سوف تعمل على ترسيخ الانقسام بين الشمال والجنوب بالإضافة إلى إبراز الانقسامات المحلية مما قد يخلق الانفتاح على التمرد ويجعله من غير المحتمل على نحو متزايد أن تقوم هذه القوات بنزع السلاح أو تكون راغبة في الاندماج مع جيش أوسع في اليمن -الذي لا يزال متحداً- عندما تقترب الحرب من نهايتها.
وقال إن المهرة ستكون منطقة رئيسية مستهدفة من قبل الجماعات الموالية للوحدة والموالية للحكومة وكذلك مجموعات مؤيدة للانفصال مثل المجلس الانتقالي الجنوبي في حال حدث انفصال بين الجنوب والشمال.
ومن المرجح أن يواصل أعضاء المجلس العام المهري جهودهم الحقيقية لإنشاء قوة مكونة من المهريين، لكنهم بذلك سيواجهون تحدي الموازنة بين الآراء المختلفة بين أعضائها بما في ذلك أولئك الذين لديهم ميول تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي أو الإمارات العربية المتحدة.
وتوقع الكاتب أن المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات سيواصلان محاولات إزاحة السكان المحليين على الأرجح من خلال التنازلات السياسية والمدفوعات الصريحة.
كما خلص الكاتب إلى أن علاقات المملكة العربية السعودية مع هادي والإصلاح، فضلاً عن تدفق السلفيين والتخطيط لبناء مركز ديني يقف في مواجهة دولة الإمارات العربية المتحدة والمجلس الانتقالي الجنوبي وكذلك جزء كبير من أعضاء قوة النخبة المحتملين.
وطبقا لبيركنز فإن معظم المهريين يشككون في كل هذه الأحزاب الخارجية وقد يؤدي تلاقي مصالحهم إلى إثارة قضايا مشابهة لتلك التي شهدتها عدن وحضرموت.
لقراءة المادة الأصل على الرابط هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست