في استعراض لنتائج الحرب وتطوراتها بمدينة عزان التابعة لمحافظة شبوة (شرقي اليمن) تناول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأوضاع هناك بعد المعارك التي استهدفت تنظيم القاعدة، والترتيبات التي طرأت على المدينة، ونقاط التحول فيها.
التقرير الذي كتبه كلٌّ من SAEED AL-BATATI و ERIC SCHMITT ونشر أمس السبت بعنوان "اليمنيون يرون نقاط تحول بعد التحرر من تنظيم القاعدة"، وترجمه "الموقع بوست"، يكشف عن كثير من خفايا الحرب هناك، وطريقة تعامل السلطات هناك مع المجاميع القبلية، لحثها على استمرار قتالها مع تنظيم القاعدة.
في أثناء تواجد المئات من القوات اليمنية في أغسطس/آب لمهاجمة مقاتلى القاعدة، وكان طلاب المدارس الثانوية في عزان يؤدون الامتحانات النهائية، كانت طائرات الهليكوبتر تحلق فوق المنطقة، وقامت المركبات المسلحة بدوريات في الشوارع، لكن مدير المدرسة صالح الوحيدي لم يرفض طلابه.
وقال السيد صالح الوحيدي (62 عاما) "لم أعلق الامتحانات لأنني كنت أتوقع عدم حدوث معركة".
والواقع أن القوات اليمنية، بدعم من مستشارين وقوة جوية من الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، قد تركت عمداً طريقاً لبعض مقاتلي تنظيم القاعدة للهروب، مما سمح لليمنيين بالاستيلاء على هذه المدينة الهامة من الناحية الإستراتيجية دون وقوع ضحايا.
كانت السيطرة على عزان، وهي بلدة مفترق طرق محورية في مقاطعة شبوة التي كانت منذ فترة طويلة معقل القاعدة في جنوب اليمن، نوعاً من النجاح، حيث تمكنت الحكومة من الاستيلاء على أدلة، ويقول المسؤولون اليمنيون إن الأمور أصبحت تذهب لصالح الحكومة أكثر.
والهجوم في شبوة هو أيضا آخر مراحل الحملة الأمريكية المتزايدة ضد فرع تنظيم القاعدة في اليمن منذ تولي الرئيس ترامب منصبه، والمعروفة باسم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ويعتبر على نطاق واسع أخطر جماعة تابعة لها في جميع أنحاء العالم، مع التركيز بشكل خاص على محاولة تفجير الطائرات التجارية.
في أماكن أخرى في المناطق الوسطى والجنوبية من البلاد، تشن القوات اليمنية المدعومة من قبل الولايات المتحدة حرب الظل ضد أكثر من ثلاثة آلاف من أعضاء تنظيم القاعدة ومقاتليهم القبليين.
منذ 28 فبراير/شباط، شنت الولايات المتحدة أكثر من 100 غارة جوية ضد مقاتلي القاعدة في اليمن، وفقا للبنتاغون، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف مجموع العام الماضي.
كما اعتقلت القوات اليمنية في الأسابيع الأخيرة بعض عناصر القاعدة المهمين، وقال مسؤول أمريكي إن استجوابهم أعطى القوات اليمنية وشركاءها الأمريكيين معلومات قيمة حول التسلسل الهرمي لقيادة المتمردين وخطط الدعاية والشبكات المحلية.
وهنا في عزان، قال وحيدي إن السكان قد تم إغفالهم حول الهجوم الوشيك من قبل القوات المحلية في القوات المتقدمة، وقال الوحيدي "هؤلاء أبناؤنا"، وأضاف أن "معظم الجنود تخرجوا من مدرسة عزان الثانوية".
وفى الليلة السابقة، قال السكان إن الطائرات الحربية حلقت فوق البلدة وسقطت قنابل فلاش على تجمع يشتبه في انتمائه لتنظيم القاعدة فى الجبال القريبة، وقبل وصولهم، أطلقت القوات اليمنية أيضا بنادق آلية هزت المدينة، كتكتيك آخر لتخويف المسلحين.
ومع هروب المتمردين اتجهت قوة عسكرية نحو معسكر على تلة صغيرة تطل على عزان استخدمها مقاتلو القاعدة.
قوات النخبة
محمد القميشي، قائد القوات، المعروفة محلياً باسم قوات النخبة الشبوانية، تفاخر بنجاح قواته في مطاردة كبار مسؤولي القاعدة في شبوة.
وقال السيد قوميشى "لقد قبضنا على ثمانية رؤوس كبيرة"، مضيفاً أن السكان المحليين الذين باعوا أسلحة للقاعدة أفرج عنهم بعد التعهد بعدم التعامل مع المسلحين.
وتتألف قوة النخبة الشبوانية من أربعة آلاف من رجال القبائل المحليين الذين قاتلوا المليشيات الشيعية في شمال اليمن في عام 2015. وقد تم تدريب القوات من قبل المدربين العسكريين الإماراتيين في منطقة صحراوية من محافظة حضرموت القريبة، وأخذت أوامر من الإماراتيين خلال الهجوم الأخير، ويجري تدريب عدد غير محدد من القوات الأخرى في نفس المنطقة.
وقبل أشهر من ذلك، وعد المدربون الإماراتيون قادة القبائل المحليين بأن الهلال الأحمر الإماراتي سيدفع الأموال لإحياء الخدمات الاجتماعية المتفرقة إذا ساعد المقاتلون المحليون على دفع القاعدة من أراضيها، واتفق الشيوخ على ذلك مع الإمارات، وتم تحديد المدارس والمستشفيات الرئيسية في المدينة في الوقت المحدد، ولكن المعلمين وغيرهم من الموظفين العموميين الذين سيديرون هذه المرافق يقولون إنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ عدة أشهر.
النفط والغاز أهداف أخرى
ويقول محللون يمنيون إن مكافحة الإرهاب قد لا تكون الدافع الوحيد الذي يقود الهجوم هنا. وقالت إليزابيث كيندال، الباحثة في الشؤون اليمنية في جامعة أكسفورد التي زارت البلاد في أغسطس/آب، إن شبوة هي موطن لمرافق النفط والغاز الرئيسية التي يتم إعادة فتحها وإشراك الشركات الدولية، مما يعني أن المصالح التجارية قد تكون أيضا على المحك.
ومع ذلك، أشارت السيدة كيندال إلى أن هناك دلائل واضحة على أن الهجوم قد تسبب في ثقل في تنظيم القاعدة، وحذرت الجماعة السكان في أغسطس/آب من الانضمام إلى القوات اليمنية التي يقودها المواطنون.
وأضافت أنها تحاول "دمج جدول الأعمال الديني لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مع المخاوف القبلية المحلية، وتقطيع المشهد السياسي المعقد في معركة بسيطة من الرجال الطيبين مقابل الأشرار"، مشيرة إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
شوارع عزان
شوارع عزان، وهي تجمع تجاري لآلاف الناس من أربع مناطق مجاورة في شبوة غير معبدة وترابية.
المهملات تغطي الأرض، نتيجة سنوات من القمامة غير المحصلة، وتعمل الكهرباء لمدة خمس ساعات فقط في اليوم، أما المياه فهي غير متوفرة أيضا معظم اليوم.
في أيام العمل كانت عزان مليئة بالآلاف من المتسوقين خلال عطلة نهاية الأسبوع في اليمن، وما دون ذلك فالشوارع فارغة تقريبا باستثناء بعض المهاجرين الأفارقة المارة.
الجنود المتشددون الذين يديرون حاجزين على مدخل البلدة يقومون بالتحقق بعناية من السيارات والبحث عن أسلحة أو كاميرا، فوجب على رجال القبائل المسلحة التخلي عن بنادقهم إذا كانوا يرغبون في الدخول، حيث تم حظر إطلاق النار الاحتفالية خلال حفلات الزفاف ليلاً. وقال السكان إن النتيجة هى أن الأمن تحسن للمرة الأولى منذ سنوات.
وقد اكتسبت المدينة أهمية منذ عام 2011 عندما سيطر مسلحون من تنظيم القاعدة هنا واستغلوا فراغاً أمنياً، حيث واجه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي طال أمده، احتجاجات كبيرة خلال الربيع العربي طالبت بالإطاحة به.
وشنت القوات الحكومية اليمنية هجوماً عسكرياً كبيراً واستعادت المدينة في عام 2012. انسحب المسلحون إلى الجبال ومن هناك رسموا لهجوم مروع.
واستعاد المسلحون عزان في عام 2013، ولكن هذه المرة تحت ذريعة وقف البلطجية الذين سرقوا وقتلوا السكان المحليين. وفي الوقت نفسه، بذل المسلحون جهودا متضافرة لإصلاح الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي. ولا تزال حاويات القمامة الفولاذية التى جلبها مقاتلو القاعدة متناثرة فى شوارع المدينة القذرة.
في عام 2014، شن الجيش اليمني هجوما آخر واستعاد المدينة، وفي الشهور التالية، شن مسلحون هجمات لا هوادة فيها على القوات الحكومية.
آثار الخراب
المنازل هناك لا تزال تحمل ندوب هذه المعارك وتظهر فيها أثار الرصاص، وكان جزء من المستشفى الرئيسي في المدينة، الذي بني خلال عهد بريطانيا قبل عام 1967، قد استهدفته الغارات الجوية، وأدى ذلك إلى مغادرة السكان الأغنياء منازلهم المدمرة على أمل الحصول على تعويضات موعودة من الحكومة.
عندما بدأ التحالف الذي تقوده السعودية حملة تفجير جديدة ضد المسلحين في عام 2015، انهارت الخدمات الأمنية والحيوية، وفتحت فراغ مكن تنظيم القاعدة من العودة مرة أخرى. وقال السكان إن المسلحين لم يعلنوا عزان إمارة إسلامية كما فعلوا فى الماضي، بل أرسلوا ناشطين إلى المدينة لاختطاف أفراد الأمن.
وقال معظم السكان إنهم أحبطوا المسلحين، ولكن قلة منهم لا يزالون يتقيدون بالترتيب الصارم الذي فرضوه وعلى وسائل الراحة التي قدموها.
وقال عبد الرحمن الأشملي الذي اختطفه تنظيم القاعدة في عام 2013 "أعادوا السلام ووضعوا حداً للنهب والسرقة". وكانت خدمات الطاقة والمياه متوفرة طوال الوقت.
وقال القوميشي، القائد اليمني، إن مقاتلي القاعدة الذين حكموا عزان يختبئون الآن في منطقة سعيد، وهي منطقة وعرة في منطقتي شبوة ومودية في محافظة أبين، على بعد حوالي 50 ميلاً إلى الغرب من هنا.
وأضاف "قبل عدة أشهر سحبت كل أسلحتها ووثائقها الهامة من عزان حيث كانت تتوقع وصولنا".
يمكن الاطلاع على النسخة الأصلية للتقرير على
الرابط