يفكر العلماء ملياً في القفز إلى مرحلة وصول الإنسان إلى المريخ، ليس فقط بمركبات فضاء غير مأهولة، وصل المريخ منها 25 مركبة فضاء، هبطت عليه منها خمس، بل بوصول الإنسان نفسه.
وهناك خطط كثيرة، ربما تكون أولاها رحلة المريخ الأولى (Mars One) التي بدأ العد التنازلي لها منذ عام 2014، بعد أن تم اختيار المجموعة التطوعية الأولى المكونة من أربعة أشخاص: رجلين وامرأتين، ليكونوا أول المستوطنين لهذا العالم الآخر، الذي طالما حلم به العلماء، ونسجت الروايات حول سكانه الأساطير الكبيرة، وربما كان المريخيون أكثر الغرباء الذين دارت حولهم أحداث أفلام السينما وقصصها.
غير أن استيطان المريخ يعني تأهيلاً كاملاً للكوكب، فعلى الرغم من وجود مشتركات كثيرة بينه وبين الأرض، من حيث التركيب وميل المحور الذي يسبب الفصول والحجم والجاذبية ووجود الجليد والغلاف الجوي، ولا ننسى القرب من الأرض، وهي العوامل التي تضع المريخ في مقدمة الكواكب القابلة للاستيطان، غير أن ذلك غير ممكن بطرق طبيعية دون الاعتماد على التكنولوجيا.
فالعمل على تحويل الكوكب ليصبح بيئة صالحة سيستغرق وقتاً طويلاً ربما أطول مما يخيل للعلماء، ناهيك عن المكونات الحيوية المكلفة؛ فهواء المريخ غير متنفس مقارنة بهواء الأرض الذي يتكون من 78% نيتروجين و21% أكسجين و1% عناصر أخرى كثاني أكسيد الكربون وبخار الماء وغازات أخرى. في المقابل، فإن هواء المريخ مكون من 96% من ثاني أكسيد الكربون و1.89% نيتروجين وبقايا من الأكسجين وبخار الماء.
كما أن الضغط الجوي على المريخ ينخفض عما على الأرض بمقدار مئة مرة، وبسبب رقة الغلاف الجوي والبعد عن الشمس فإن درجة الحرارة على المريخ تنخفض إلى ما دون مئة تحت الصفر في بعض الأماكن، وترتفع في أحسن أحوالها حتى تبلغ عشرين تحت الصفر، أي بمتوسط حرارة تبلغ نحو ستين تحت الصفر.
شعاع
أضف إلى ذلك فقدان المريخ غلافا مغناطيسيا يحميه من الأشعة الكونية، كما يفعل غلاف الأرض المغناطيسي الذي يحميها من هذه الأشعة الضارة، فالجرعة الإشعاعية اليومية التي تصل سطح المريخ تعادل ما تتلقاه الأرض في شهرين ونصف الشهر، وهي كمية كبيرة جداً لا يستطيع جسم الإنسان أن يتحملها إلا ضمن ظروف وقائية كبيرة.
ولذلك يجب على رواد كوكب المريخ المستقبليين أن يتزودوا بدروع إشعاعية وقباب مضغوطة ومحمية، وسترات فضاء مجهزة، ناهيك عن الأكسجين والماء اللذين سيكونان أولى أولويات الرحلة الفضائية التي تحفظ الحياة على الكوكب النائي.
أما طرق تأهيل المريخ ليكون موطناً صالحاً لاستقبال البشر؛ فثمة سيناريوهات عديدة لذلك، تم وضع بعضها بعد عصر الفضاء الثاني في السبعينيات من القرن الفائت، وأخرى حديثة. ويتلخص القول في هذه السيناريوهات بضرورة رفع درجة حرارة سطح المريخ بحيث ينصهر الجليد على أقطابه فيزوّد السطح ببعض الماء السائل، علماً بأنه حتى يبقى الماء سائلاً سيلزمه كمية مناسبة من الضغط الجوي الذي هو عبارة عن طبقة الغاز المحيطة بالكوكب.
وهذا الارتفاع في درجة حرارة سطح المريخ يمكن أن يتحقق بإحدى ثلاث وسائل: الأولى عبر تقليل ما يعرف بمعامل الانعكاسية لأشعة الشمس، وذلك برش أقطاب المريخ بتراب داكن مستورد من أحد قمري المريخ فوبوس أو ديموس، لأن اللون الداكن يمتص الحرارة، مما يعني رفع درجتها ومن ثم صهر الجليد.
أما الوسيلة الثانية فتكون بإضافة غاز الأمونيا، وهو أحد أقوى غازات ظاهرة الدفيئة، حيث يتم جلبه من أقمار الكواكب الخارجية للنظام الشمسي، ولأن الأمونيا هي نيتروجين فإن ذلك سيساعد على التنفس بعد إضافة الأكسجين إليه.
وكشفت مركبة كيريوستي المريخية وجود طبقة رقيقة جداً من الميثان تحت سطح المريخ، وهي مادة عضوية إن تم تعدينها بواسطة المستعمرات البشرية على المريخ، فسيساعد على رفع درجة حرارة المريخ كذلك.
تحديات
رحلة المريخ الأولى 2025، وخطط ناسا لإرسال أول مركبة مأهولة للمريخ في 2030 وغيرها من الأفكار، جميعها تصب في أن خانة البحث عن ملجأ مستقبلي آخر بعيداً عن الأرض التي ربما لن تكون مصادر قوتها، كما في ظن البعض، كافية لسكانها بعد مئة عام من الآن.
غير أن تحديات استيطان المريخ التي ستؤدي في النهاية إلى إعادة تأهيل الكوكب لاستقبال حياتنا عليه بحاجة إلى صبر طويل ومصادر طبيعية كثيرة والتزامات حقيقية مستمرة، وبالرغم من ذلك فالنتائج ليست مضمونة، ولكن أول الغيث قطرة ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وإعمار الكون مطلب وغاية من أجلها وجد هذا الإنسان.