[ واتساب استثمرت في الرسائل النصية ]
تتوقع شركة «واتساب»، ورئاستها في ماونتين فيو (ولاية كاليفورنيا) أن يصل، بنهاية هذا الشهر، عدد المشتركين فيها إلى مليار شخص حول العالم. قالت ذلك عندما أصدرت تقريرا، في نهاية الشهر الماضي، أوضح أن عدد المشتركين وصل إلى تسعمائة مليون شخص. وصار العدد يزيد بمعدل مائة مليون كل شهر. منذ بداية هذا العام، صارت «واتساب» أكبر شركة اتصالات ورسائل اجتماعية مباشرة في العالم (بالتليفونات الذكية)، حيث يتواصل المشتركون فيها بالكتابة، والصور، والفيديو.
مؤخرا، أضافت «واتساب» ميزتين:
أولا: اتصال صوتي، وتحديد المكان (واتساب فون).
ثانيا: التواصل بالكومبيوتر (واتساب ويب). على مكتب بريان أكتون (الأميركي الذي أسس «واتساب» عام 2009 مع زميله الروسي جان كوم) هذه الكلمات في برواز: «لا إعلانات. لا ألعاب. لا خدع».
جان كوم أوكراني، ولد في كييف، عاصمة أوكرانيا عام 1986 (عندما كانت حكومات أوكرانيا، وروسيا، وغيرهما من دول شرق أوروبا، شيوعية). كان والده معارضا للشيوعية لكنه لم يكن يريد أن يترك وطنه، إلا أن الوالدة كانت أكثر حماسا لترك الوطن.
في عام 1992، عندما كان عمر كوم 15 عاما، سافرت والدته معه ومع أمها إلى الولايات المتحدة بعذر أنهم سواح، ثم طلبت اللجوء السياسي هروبا من الشيوعية. تردد الوالد وخاف أن تكشفه الاستخبارات الشيوعية إذا حاول الانضمام إلى عائلته وبقي في أوكرانيا.
كانت أولى سنوات العائلة في أميركا قاسية، حيث استقرت في ماونتين فيو (ولاية كاليفورنيا)، ولم تكن تعرف أن هذه المدينة الصغيرة ستكون، بعد عشر سنوات، عاصمة تكنولوجيا الإنترنت في العالم، وستكون، بعد عشرين سنة، مكان شركة عملاقة يشترك في ملكيتها كوم.
عاشت العائلة اعتمادًا على مساعدات حكومية للفقراء، منها المساهمة في دفع إيجار شقة صغيرة، وتقديم طوابع لشراء الطعام، وعلاج في مصحات شعبية.
منذ أن كان صغيرا اهتم كوم بالإلكترونيات والاختراعات، لكن فقر أوكرانيا والحكومة الشيوعية لم يوفرا له ما يريد؛ لهذا ركز في دراسته في أميركا على الكومبيوتر والإنترنت. في جامعة سان هوزي ستيت (كاليفورنيا) درس الهندسة الإلكترونية، وهناك قابل بريان أكتون. بعد تخرجهما تقدما بطلبين للعمل مع شركة ياهو، ورفضت الشركة قبولهما، وقالت لهما إن «الشهادة الجامعية لا تكفي، ولا بد من الخبرة والتجارب». لهذا، عملا في شركة إرنست آند يونغ الإلكترونية في مدينة ماونتين فيو الصغيرة (عاصمة الإنترنت). هذه المرة قبلتهما شركة ياهو لكن وكأنها لم تقبلهما.
في عام 2007، تركا الشركة بسبب سوء المعاملة وعدم ثقة، يبدو أن «ياهو» أبدا لم تقدر مؤهلات الرجلين، وطبعا لم تكن تعرف ما سيحققان في المستقبل.
في عام 2008، تقدما للعمل مع شركة «فيسبوك»، وفي هذه المرة كان حظهما أسوأ، حيث لم تطلب «فيسبوك» خبرة، أو تعطيهما فرصة ثانية، ثم أرسلت إلى كل واحد خطابا إلكترونيا قصيرا: «نتأسف..».
في عام 2009، اشترى كوم (الروسي) «آيفون» من «آبل» ولاحظ أن الشركة صارت تبيع «أبس» (تطبيقات) في مختلف المجالات. وبالتشاور مع زميله أكتون قررا بداية إقامة موقع في الإنترنت يعتمد على تطبيق يربط بين الناس. ليس اعتمادا على عنوان إلكتروني، أو كلمة سر، أو اسم الشخص، ولكن اعتمادا على رقم جوال الشخص. في وقت لاحق تذكر أكتون أنه ما دامت شركات التليفونات تتقاضى رسوما كبيرة على الاتصال الصوتي، خاصة بين دولة ودولة، فإننا لن نقدر على منافستها، لكن نقدر على منافستها في مجال جديد: الاتصال المكتوب.
وأضاف: «ضحكنا لأن شركات الجوال، رغم إبداعاتها الإلكترونية، لم تفكر في دخول مجال الاتصالات المكتوبة، وقلنا: هذه فرصة لنهزم العمالقة». في ذلك الوقت، طبعا، لم يكونا على علم أن «واتساب» نفسها ستدخل مجال الاتصال الصوتي.
في عام 2009 نفسه، يوم 24 فبراير (شباط) يوم عيد ميلاد كوم، أسس الصديقان شركة واتساب توصلا إلى الاسم من كلمتي: «آب» (تطبيق)، و«وات» (ماذا). ويشبه الاسم التعبير الأميركي «واتس آب؟» (ماذا يجرى؟). كان رأسمالها عدة آلاف من الدولارات وفراها عندما كانا يعملان مع شركة ياهو. في البداية تعرقل التطبيق، ومرات كثيرة انهارت الشبكة. ومرة قال كوم لصديقه أكتون: «لنلغ كل شيء، ونعد للبحث عن عمل مع شركة فيسبوك، ربما ستقبلنا هذه المرة»، ورد أكتون: «لننتظر شهورا قليلة، من يدري؟». فعلا، بعد تجارب ومحاولات شهور قليلة، وقف «واتساب» على قدميه.
في عام 2009 نفسه، حصل الصديقان على قرض ربع مليون دولار من مستثمر مغامر لم يكن متأكدا من نجاح «واتساب»، ثم وقعا عقدا مع شركة آبل لاستخدام تطبيقها في جوال «آيفون»، ثم مع شركة بلاكبيري في وقت لاحق، ثم مع شركة سامسونغ. ثم وقعا عقدا جديدا مع «آبل» لتطوير الاتصال بالكتابة إلى اتصال أيضا بالصور، وفي وقت لاحق أيضا بالفيديو.
في عام 2011، أبلغتهما «آبل» أن تطبيق «واتساب» صار من أشهر عشرين تطبيقا من تطبيقات «آبل» على نطاق العالم.
بعد هذه الشهادة من «آبل» اشتهر «واتساب» أكثر، وحصل على قرض بعشرة ملايين دولار من شركة سيكويا الرأسمالية. في وقت لاحق، تذكر جيم غيتز، رئيس شركة سيكويا قائلا: «ونحن نبحث في الإنترنت عن شركات واعدة، لنستثمر فيها، وجدنا اسم واتساب، وصاحبيها كوم وأكتون، لكن من دون عنوان، غير أنهما في مدينة ماونتين فيو، في ولاية كاليفورنيا. وسافرت أنا من نيويورك إلى كاليفورنيا، وذهبت إلى ماونتين فيو وبدأت أتجول من شارع إلى شارع، أسأل الناس هل تعرفون أين أقابل شخصين: واحد روسي اسمه كوم، وواحد أميركي اسمه أكتون؟».
كان غيتز محظوظا مرتين:
أولا: عندما عثر على الرجلين، واتفقوا على استثماره في شركتهما.
ثانيا: عندما نجحت الشركة نجاحا لم يتوقعه أي واحد من الرجال الثلاثة.
في عام 2013، وصل عدد المشتركين في «واتساب» إلى مائتي مليون شخص. وكان عدد موظفيها أقل من ثلاثين شخصا، ووصلت قيمة الشركة إلى أكثر من مليار دولار. في عام 2014، وصل عدد المشتركين إلى خمسمائة مليون شخص، وزاد عدد موظفيها إلى خمسين شخصا، ووصلت قيمة الشركة إلى عشرة مليارات دولار.
في عام 2015، الحالي، ومع نهاية هذا الشهر، سيصل عدد المشتركين إلى مليار شخص، وسيظل عدد الموظفين أقل من مائة، ويتوقع أن ترتفع قيمة الشركة إلى عشرين مليار دولار.
بعد عشر سنوات من رفض «فيسبوك» تعيين كوم وأكتون، في خطابين منفصلين مقتضبين وحاسمين، وذات صباح، فتح كوم بريده الإلكتروني وفوجئ بخطاب من مارك زوكربيرغ، مؤسس ورئيس شركة فيسبوك.
قال فيه: «منذ أكثر من سنة، وأنا مشترك في (واتساب) وهو يعجبني، هل يمكننا أن نتناول غداء معا، ونبحث في مواضيع تهمنا؟».
في وقت لاحق، تذكر كوم قائلا: «ضحكت، كان هذا أول رد فعل من جانبي، كأنني أقول لنفسي: من كان يصدق؟» وقرر أن يتمهل، ويتصنع، حيث رد بأنه سيسافر إلى خارج الولايات المتحدة، ويمكن أن يتقابلا بعد عودته، ورد زوكربيرغ: «لنتقابل قبل أن تسافر».
وتقابلا في مطعم ألماني بالقرب من رئاسة شركة فيسبوك في ماونتين فيو (ولاية كاليفورنيا)، وفهم كوم أن زوكربيرغ يريد شراء «واتساب». ومرة أخرى قرر أن يتمهل ويتصنع، وقال: «أحتاج إلى شهور لأقرر».
كان زوكربيرغ أكثر تصميما، حيث دعا كوم إلى عشاء في منزله، ثم إلى رحلة خلوية في جبال سيرا ماديرا بولاية كاليفورنيا.
يوم 14 - 2 – 2014، كان زوكربيرغ وزوجته (أميركية صينية) يتناولان الغداء في منزلهما، عندما دق الباب كوم. كان يحمل صندوقا أنيقا من الفراولة المغموسة في الشوكولاته. وصار واضحا أن كوم، بعد التشاور مع شريكه وصديقة أكتون، وافق أخيرا على عرض، أو في الحقيقة على ضغوط زوكربيرغ.
بعد خمسة أيام، يوم 19 - 2 - 2014، أعلنت أكبر صفقة في تاريخ الإنترنت: تشتري «فيسبوك» «واتساب» بقرابة عشرين مليار دولار. يديران «واتساب» تحت «فيسبوك»، بعد أن حصل كل واحد منهما على ثمانية مليارات دولار، حيث صارا من أغنى خمسين رجلا في أميركا. ويواصلان تطوير «واتساب»، وهما وراء تكنولوجيا «واتساب فون»؛ انتقاما قديما من شركات الاتصالات التليفونية الصوتية. كما أنهما وراء «واتساب ثري دي» فهل يريدان إدخال «واتساب» في عالم الأفلام السينمائية؟