على هامش مونديال قطر، امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات فضل أصحابها النأي بأنفسهم عن الجانب الكروي لهذا الحدث الرياضي الهام، فانبروا في رصد المبادرات والحملات التي حاولت التعريف بالثقافة العربية الإسلامية.
ولعل أبرز الحملات والمبادرات التي استوقفت اهتمام قطاع واسع من رواد مواقع التواصل العرب، حملة يطلق عليه البعض " تجربة الحجاب خلال مونديال قطر".
وخلال الأيام الماضية، تداول كثيرون مقاطع مصورة لمجموعة من المشجعات الأجنبيات وهن يجربن الحجاب للمرة الأولى.
ففي أحد المقاطع، تظهر شابة محجبة وهي ترصد ردود فعل بعض المشجعات اللاتي استجبن لدعوتها لتجربة الحجاب.
حظيت تلك المقاطع بتفاعل واسع، إذا تناقلها الآلاف عبر منصات التواصل الاجتماعي. كما حرصت العديد من القنوات والمواقع الإعلامية العربية على مشاركتها مع جمهورها.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
واحتفى مغردون بتلك المشاهد باعتبارها "تجربة لطيفة تصحح الأفكار المغلوطة التي شوهت صورة المرأة المحجبة خلال العقدين الأخيرين".
كما أشاد آخرون بالمبادرات التي دشنتها قطر للتعريف بالحضارة العربية والإسلامية، أثناء فعاليات كأس العالم.
وذهبت بعض التعليقات إلى حد تشبيه الأجواء في قطر حاليا بأنها " مهرجان للتعريف بالإسلام وتعاليمه" وفرصة لـ "مواجهة الغرب فكريا وثقافيا".
"أسلمة المونديال"
في المقابل، استنكر فريق آخر من المغردين" إقحام الدين في بطولة رياضية". ووصف بعضهم تجربة ارتداء الحجاب بـ "السطحية ".
وعبر سلسلة تغريدات، انتقدت الناشطة والكاتبة الكويتية المعروفة دلع المفتي، تجربة ارتداء الحجاب مشيرة إلى أن " الموضوع زاد عن حده وأصبح رياء وسخافة".
وتابعت موجهة كلامها للمسؤولين القطريين :"لا يمكنكم إقناع أحد بالإسلام بفرض الحجاب".
ثم أضافت" إن كنتم تريدون تعريف الناس بالإسلام عرفوهم عن طريق المعاملة والتسامح والأخلاق لا القشور .. وتقبلوا المختلف واحترموه".
واقترحت الناشطة الكويتية الترويج للبرقع أو البطّولة (غطاء ساتر للوجه) باعتبارهما من الأزياء التراثية الخليجية بدلا من "استغلال الفعالية لعرض تجربة الحجاب على النساء".
جرّت تلك التغريدات الكثير من الانتقادات للناشطة الكويتية.
فثمة من وصف تصريحاتها بـ "المستفزة" متهما إياها بالتحامل على الدولة المستضيفة وبالتغاضي عن "تجاوزات طرف آخر يريد فرض ثقافته بالقوة في بلد عربي مسلم".
وأشار آخرون إلى أن تجربة ارتداء الحجاب، هي تجربة طوعية شأنها في ذلك شأن العديد من التجارب الاجتماعية التي ينظمها صناع المحتوى حول العالم.
وعلى الضفة الأخرى، يتحدث المؤيدون للمفتي عن "خلل واضح في تسويق صورة الإسلام والحجاب" خلال مونديال قطر.
فمن المدونين من يرى أن تجربة ارتداء الحجاب، وغيرها من المبادرات الأخرى كشفت عن "تناقض كبير في تفكير الدولة المضيفة والمدافعين عنها".
فتلك المبادرات التي يجد فيها مغردون فرصة لتقريب الشعوب من بعضها وسد الفجوة بين الشرق والغرب يقول آخرون إنها يمكن أن تتسبب أيضا في فرض ثقافة وأسلوب واحد على الجميع.
حوار ثقافات أم صراع حضارات؟
ولم يسبق أن أثارت أي دورة أخرى من بطولة كأس العالم الجدل نفسه الذي أثارته الدورة الحالية في قطر .
فقد تجاوز الجدل حول المونديال البعد الكروي فاختلط الرياضي بالسياسي والثقافي بالديني.
ففي الوقت الذي انصب فيه تركيز البعض على الإنجازات الرياضية للفرق المشاركة في مونديال قطر تحدث آخرون عن "إنجازات ثقافية دينية".
وفي النقاش عن البعد الديني والثقافي، يبرز فريقان ينتسب كل منهما إلى مجموعة من القيم والمواقف المختلفة.
ويعد الخلاف حول ارتداء رموز وشارات تدعم المثلية الجنسية أبرز ملامح الصراع المونديالي في وسائل التواصل الاجتماعي.
واتخذ الجدال حول المثلية الجنسية منحى آخر عبر المنصات الإلكترونية، ووصل إلى حد تبادل الاتهامات بين المؤيدين للدوحة والمعارضين لسياساتها.
وثمة من اعتبر أن الدول الأوروبية تسعى إلى " فرض استعمار أخلاقي على قطر" في حين اتهم البعض الآخر الدولة الخليجية بـ"الفشل في تقبل الآخر".
وتعد قضية دعم المثلية الجنسية واحدة من بين عدة قضايا أبرزت عمق الهوة بين الفريقين.
فقد أيقظ منع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بعض الجماهير من ارتداء ملابس "الحملات الصليبية" جدلا دينيا وتاريخيا قديما.
في حين أثار تواجد الداعية الإسلامي ذاكر نايك في قطر بالتزامن مع انطلاق بطولة كأس العالم، جدلا سياسيا وتراشقا بين مغردين عرب وهنود.
كما طرح ظهور الداعية الهندي في الدوحة تساؤلات حول الجدوى من حضوره أثناء المونديال.
يذكر أن قطر أبلغت الهند بأن منظمي مونديال 2022 لم يوجهوا أي دعوة رسمية للداعية لحضور البطولة مشيرة إلى أن "معلومات مضللة تم نشرها عمدا لتؤثر سلبا على العلاقات الثنائية بين الهند وقطر".
وفي ظل هذه التجاذبات السياسية والثقافية، يبرز السؤال التالي هل أسهم مونديال قطر في تشجيع حوار الثقافات أم أحيا صراعا بين الحضارات؟
وانضم البعض لدعوة الاتحاد الدولي للاستمتاع بالمباريات عوضا عن الخوض في قضايا جدلية.