اعتبر خبراء مغاربة أن دعم السعودية للملف الأمريكي لاستضافة مونديال 2026 لكرة القدم، يمثل "ضربة موجعة" للرباط التي تسعى إلى استضافة هذا الاستحقاق.
ورأوا في تصريحات منفصلة للأناضول، أن الموقف السعودي "لا يقف عند ما صرح به (رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية) تركي آل الشيخ، بل إن الأمر راجع إلى (توتر صامت) بين الرباط والرياض، أخرجه ملف مونديال 2026 إلى العلن، بسبب موقف المغرب من الأزمة الخليجية الأخيرة".
وأكد تركي آل الشيخ الأسبوع الماضي في حوار مع شبكة "بلومبرغ" الأمريكية، أن "بلاده سوف تدعم ترشح الملف الثلاثي الذي تقوده الولايات المتحدة، وتشترك فيه كل من كندا والمكسيك من أجل استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2026، بدلا من الملف المغربي المنافس".
دعم السعودية المنتظر أرجعه آل الشيخ الذي يشغل أيضا منصب رئيس الاتحاد العربي لكرة لقدم، إلى "العلاقات القوية والاستراتيجية التي تربط المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكية"، بالإضافة إلى أن اللجنة الأمريكية كانت هي أول من طرق باب السعودية طلبا لدعمها، عكس (لجنة) الملف المغربي "الذي لم يراسل السعودية سوى في الفترة الأخيرة".
وحلت الذكرى السنوية الأولى للأزمة الخليجية التي اندلعت في 5 يونيو / حزيران الماضي، حيث قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها "إجراءات عقابية" بدعوى "دعمها للإرهاب".
وتنفي الدوحة تلك المزاعم، وتتهم الرباعي بالسعي إلى "فرض الوصاية على قرارها الوطني".
وتبنت الرباط منذ البداية موقفا محايدا من الأزمة، حيث دعا العاهل المغربي محمد السادس آنذاك أطراف الأزمة إلى ضبط النفس، والتحلي بالحكمة من أجل تخفيف التوتر، وتجاوز الأزمة، وعبرت الرباط عن استعدادها لبذل مساعٍ حميدة من أجل تشجيع حوار صريح وشامل بين هذه الأطراف. كما أرسل المغرب بعد اسبوع من اندلاع الأزمة، طائرات محملة بمواد غذائية إلى دولة قطر، وذلك بعد أسبوع من اندلاع الأزمة الخليجية.
ـ ضربة موجعة
وصفت العديد من الصحف المغربية القرار السعودي الأخير بـ "المفاجئ وغير المنتظر، خصوصا أن الرباط كانت تنتظر دعم الدول العربية والإسلامية والإفريقية دون تحفظ".
فيما قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير مفصل، إن "تركي (آل الشيخ) وعد القائمين على الملف الأمريكي بألا يكتفي فقط بالتصويت لمصلحة الملف الثلاثي خلال مرحلة التصويت التي ستقام الأربعاء المقبل، بل إنه سيحث عددا من الدول المقربة من السعودية، خاصة العربية منها والآسيوية على التصويت لواشنطن، وسيحشد دعمها ضد المغرب".
الخبير المغربي يحيى السعيدي، الخبير في قانون الرياضة، قال للأناضول، إن "وقوف السعودية بوزنها الثقيل في المنطقة خلف الملف الأمريكي، وحشد الأصوات لهذا الملف الثلاثي (يونايتد 2026)، سيضر بالتأكيد بالحظوظ المغربية في نيل شرف استضافة المونديال"، مشيرا إلى أن الأمر "ضربة موجعة" لبلاده.
وأضاف السعيدي أن "السعودية اختارت دعم أمريكا، وذلك بحكم العلاقات التي تربط البلدين، والتي ازدادت قربا منذ صعود الرئيس الحالي دونالد ترامب".
وأوضح أنه "باستثناء الاتحادات الكروية الأوروبية العريقة، فإنه ليست جميع الاتحادات الكروية مستقلة في قرارها، بل إنها خاضعة للجهات السياسية، خاصة في الدول الإفريقية والآسيوية، لذلك فإن قرار التصويت مرتبط باعتبارات سياسية أكثر ما هي رياضية".
ـ قرار رياضي بدوافع سياسية
في حواره الأخير (مع شبكة "بلومبرغ") قال تركي آل الشيخ، إن قرار دعم أمريكا يرجع بالأساس إلى "ترجيح مصالح السعودية على أي اعتبارات أخرى"، كما شدد على أن نسخة كأس العالم لسنة 1994، التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر "من أحسن نسخ كأس العالم التي شاهدها في حياته"، على حد تعبيره.
في المقابل، لم يصدر أي تعقيب أو موقف رسمي من جانب المغرب إزاء هذا التصريح.
وقال الناطق السابق باسم حزب "الاستقلال" المغربي (معارض) عادل بنحمزة، في تصريح للأناضول، إن "موقف آل الشيخ يرجع إلى الأزمة غير المعلنة مع المغرب، بسبب موقفه من الأزمة الخليجية بين دول السعودية والإمارات والبحرين من جهة، ودولة قطر من جهة أخرى".
وأضاف عضو اللجنة التنفيذية لحزب "الاستقلال": "جاءت تعبيرات تركي آل الشيخ واضحة فيما يخص أسباب الأزمة غير المعلنة، التي ترتكز على الموقف المغربي من الخلاف الخليجي وحصار دولة قطر، حيث عبر المغرب عن موقف متوازن يتمثل في الحياد التام والحفاظ على علاقته مع جميع أطراف الأزمة، وهو موقف يحسب للدبلوماسية المغربية".
وتابع: "كانت الزيارة الخليجية للملك محمد السادس ومن ضمنها الدوحة، تعبيرا عن هذا الموقف. واعتقد الجميع أن باقي العواصم الخليجية تفهمت الموقف المغربي، إلى أن جاءت تغريدات آل الشيخ".
من جانبه، رأى إدريس الكنبوري الباحث والمحلل السياسي المغربي، أن موقف السعودية الأخير "لا يعني بالضرورة حدوث أزمة دبلوماسية في العلاقات بين المملكتين".
وقال الكنبوري في تصريح للأناضول "لا أعتقد أن هذا الأمر سيؤثر على العلاقات بين البلدين، فهي علاقات استراتيجية مؤسسة على مصالح متبادلة وخيارات جيوستراتيجية".
وأشار إلى أن "بلاده تتفهم الموقف السعودي، وأنها تلقت توضيحات بشأنه من السلطات السعودية عبر أو خارج القنوات الدبلوماسية، والمغرب ليس من المنطقي أن يضحي بعلاقات نوعية مثل العلاقات مع الرياض بسبب التصويت على كأس العالم".
وأوضح أن "كأس العالم سياسة والتصويت سياسي، ولا علاقة لذلك بالأخوة أو العلاقات الطيبة".