شكّل الاتفاق الذي تم إبرامه الخميس الماضي بين مليشيات المخلوع علي عبد الله صالح، ومليشيات الحوثيين لإنشاء مجلس رئاسي بدعوى سد الفراغ في السلطة، رغم وجود الشرعية، شكّل انقلابا جديدا على الشرعية، وعلى قرارات مجلس الأمن والمنظمات الدولية، وعلى القرار 2216 بالتحديد، بل شكّل انقلابا على محادثات الكويت، والتي بات من الواضح أن الانقلابيين يتخذون منها سبيلا لشراء المزيد من الوقت، في ظل تراخي المجتمع الدولي عن القيام بواجباته جهة استرداد ثورة اليمنيين من مختطفيها، وممن قامت في الأصل ضده الثورة، حيث لا يزال المخلوع يستثمر في جو المزايدات الدولية، واللت والعجن في القضايا ضد إرادة الشعوب، وضد شرعياتها، ليحاول أن يظهر كما لو كان لا يزال في سدة الزعامة، ويكيل التهم للآخرين، قبل أن يتنكر لكل ما قدمته المملكة ودول الخليج لليمن إبان حكمه، ويستعرض من المغالطات ما يكفي لأن يترحم الناس على المنظمة الأممية التي تركت اليمن لقمة سائغة في أيدي هذه العصابات.
صالح الذي طرده شعبه من السلطة، وأطلق عليه القذائف ليقتلعه عنوة من قصره في الحادثة الشهيرة التي كادت تودي بحياته، ودفع ثمنها إصابات بالغة في جسده، تكفلت المملكة بتطبيبه منها في مستشفياتها، يقف اليوم مع من كان يدّعي أنه أعلن عليهم الحرب ست مرات في صف واحد، وفي أبشع سرقة لثورة مواطنيهم وأمام الملأ، ليتلاعب بمصير هذا الشعب الصابر، فيذعن للمحادثات من جهة، ويطعنها من الظهر بمجلسه الرئاسي باليد الأخرى، مستغلا حرص المملكة ودول التحالف على عدم الدخول في حرب كلاسيكية لطرده وحلفائه بالقوة، وذلك حقنا لدماء اليمنيين، وتجنبا لأضرار الحروب على المدنيين الأبرياء الذين يتخذ منهم المخلوع دروعا بشرية، حيث يقتصر جهد التحالف على بعض العمليات الانتقائية منعا لإراقة المزيد من الدماء، وليستغل أيضا تخاذل الأمم المتحدة ومنظماتها، وتعاملها مع الانقلابيين كما لو كانوا طرفا شرعيا، رغم أنهم هم من أخرجهم الشعب بثورته من السلطة من الباب ليعودوا إليه مجددا من النافذة.
لم يكن خطاب صالح مليئا بالمغالطات، وإنما كان هو المغالطات نفسها، لأنه أراد أن يربك محادثات الكويت، ويفرغها من محتواها، بحيث تبقى مجرد لقاءات شكلية لا قيمة لها، تبرر للبعض أنهم يمدون أيديهم فعلا للسلام، فيما هم يحكمون قبضتهم على السلطة، وينهبونها من الشرعية، ومن الشعب اليمني الذي سئم 33 عاما من لصوصية صالح وتسلطه على مقدرات شعبه، ليعيد لخبطة الأوراق، وكأن شيئا لم يكن سوى واقع الانقلابيين الذي يريد أن يفرض نفسه بمثل هذه المماطلات والألاعيب، وهذا ما يستلزم إفاقة المجتمع الدولي، والتأمل بعمق في المشهد اليمني للانتصار للشعب وللشرعية، وقطع الطريق على مناورات المليشيات الانقلابية التي أصبحت تمارس انقلاباتها بشكل مزدوج في ظل المكاييل المزدوجة، وحسابات الربح والخسارة للقوى الكبرى. رغم يقيننا أنه وإن دأب المخلوع وعصابته وأتباعه على خلط الأوراق من حين لآخر، فإن اليمنيين الذين أخرجوه شبه متفحم من قصره بثورتهم على الظلم والطغيان، لن يقبلوا أن يتجرعوا من نفس الكأس مرة أخرى مهما كان حجم أوهام المخلوع وأنصاره الحوثيين.