بدأت الصحافة الإسرائيلية بمخاطبة الجمهور العربي عبر محتوى يقدم باللغة العربية، بعد استحداث بوسائل التواصل الاجتماعي ناطقة بالعربية، وتخصيص متحدث حكومي وعسكري إسرائيلي يتحدث العربية.
عدة صحف إسرائيلية استحدثت نافذة باللغة العربية موجهة للعرب والناطقين بالعربية، مثل صحيفة هآرتس، وصحيفة تايمز أوف إسرائيل، وربما هناك غيرها، وتقدم محتوى يجري توجيهه بعناية للقارئ العربي.
ظهر هذا بشكل أكبر بعد السابع من أكتوبر، وما تلاه من أحداث، وربما شعرت تل أبيب بالحاجة لمخاطبة العرب بلسانهم، خاصة مع ارتفاع موجة التطبيع مع بعض الدول العربية.
وهنا يظهر البون شاسعا، إذ يفتقد الإعلام العربي لنافذة موجهة باللغة العبرية لمخاطبة الداخل الإسرائيلي، وشرح وجهات النظر إزاء الكثير من القضايا، والأمر ممكن أن يكون في اتجاهين، حاجة إسرائيل للإطلالة على المشاهد العربي، وحاجة المشاهد العربي لمعرفة كيف يفكر الآخر العبري.
ولنتحدث هنا عن تجربة أزاحت الستار عن هذه الفجوة المنسية من الجانبين، ففي إحدى منصات إي جي بلاس التابعة للجزيرة على يوتيوب ظهرت صانعة المحتوى الفلسطينية ليلى عبده منذ ما بعد السابع من أكتوبر بفقرة بعنوان "وش قالوا بالعبري"، وتنقل فيها الجدل في الإعلام العبري، واتجاهاته والقضايا التي يركز عليه داخل مجتمع إسرائيل بالتزامن مع الحرب الجارية للمشاهد العربي.
الفقرة حظيت باهتمام واسع وإقبال كبير من الجمهور العربي، وتحولت من فقرة أسبوعية لفقرة شبه يومية، نزولا عند رغبة الكثير من المشاهدين، واتساقا مع التصاعد الأحداث، وهو ما جعلها تسجل أرقاما مرتفعة بالمشاهدات.
لعبت عوامل عديدة في هذا النجاح، منها أسلوب المذيعة نفسها، ولهجتها الفلسطينية المميزة، والتي تتسم بالتلقائة والعفوية، وكذلك التركيز على الفكرة، والاستعراض المتسلسل للأحداث، والربط بينها، وتطعيم الحديث بمفرادات من اللغة العبرية، والتي ربما يسمعها المشاهد العربي للمرة الأولى.
هذه الفقرة نقلت أستوديهات الإعلام العبري التلفزيوني، والصحافة الإلكترونية، وأبرز المسؤولين الإسرائيلين للمشاهد العربي، وجعلته يستمع للمرة الأولى لوجهات النظر المختلفة في هذا المجتمع المنغلق في المنطقة، ويشاهد تفاصيل الجدل الإسرائيلي، وتفكير المجتمع هناك، ونظرته لكثير من القضايا، بما في ذلك صراع الأقطاب داخله.
ساعد في هذا النجاح ارتفاع وتيرة الأحداث في إسرائيل، والحرب التي تشنها على قطاع غزة، وتشابك هذه القضية مع العرب، وتفاعلها في أوساط المجتمع العربي، لذلك وجدت قبولا واسعا لدى المشاهد، وهو يرى إجابات على كثير من أسئلته، وأتاحت له رؤية مشاهد وتعليقات وأحدات وتفسيرات لم يألفها من قبل.
وربما تابعنا جميعا كيف ظهرت أسيرات إسرائيليات يتحدثن العبرية، وظهر النص العربي مرادف لحديثهن، وانتشرت تلك الكلمات بشكل كبير، على سبيل المثال "عخشاف" بالعربية، ومعناها الآن بالعربية، وصارت تتردد باستمرار لدى عوائل المحتجين الناقمين على نتنياهو، وكذلك كيف أثرت المقاطع التي بثتها حماس وغيرها من الفصائل باللغة العبرية وتخاطب بها المجتمع الإسرائيلي، وما أحدثته من ردود فعل، وإيصال الرسالة، بل وربما دفع ذلك الشارع العبري للاحتجاج والسخط، وعدم الرضا عن أداء قيادته، وهنا نذكر أن كثير من الانتقادات الغاضبة من قبل إسرائيل على السنوار أنه يفهمهم جيدا، ويتحدث لغتهم، ويعرف طريقة تفكيرهم، وذلك كله بسبب إجاته للغتهم، عندما كان أسيرا في أحد سجونهم.
في المجمل جزء من الانتصار في المعارك، بشقيها ساخنة أو باردة هي معرفة لغة وفهم الطرف الآخر ليتسنى مواجهته، بالوقت والزمان المناسبين، وكذلك الوسائل المكافئة، والأثر العربي يقول: "من تعلم لغة قوم آمن مكرهم".