إن التطورات والمتغيرات التي برزت في عقد التسعينيات في القرن الماضي أعادت تشكيل العالم من خلال مظاهر متعددة شملت مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية التي أنهت حدود الزمان والمكان، وذلك بفضل التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وفي كل ذلك كانت الدول العظمى (دول الشمال) هي المسيطرة والمتحكمة لمختلف الوسائل والآليات بل والمصدرة للتقنيات والمضامين والبرامج، في حين كانت دول الجنوب ولأسباب كثيرة مستقبلة ومستوردة لهذه التكنولوجيا ووسائلها ومضامينها،
مما ولد قلقًا من تأثير ثقافي وافد وسيلته الأساسية هي الصورة المرئية وتقنيات الاعلام الجديد ، فثقافة الاعلام الجديد أضحت تحاصر العالم بشبكاتها وقنواتها من خلال خياراتها التي تروج لها، وهي خيارات تتقنع بقناع التسلية والترفيه والأخبار. وإن انتقال المعلومة عبر الانترنت قد رسخ قيم وثقافة البلد المصدِّر للمعلومة والتكنولوجية في آن واحد ، وينشأ عن هذه الحتمية التكنولوجية حالة ما يسمى بالصدمة الالكترونية التي سرعان ما تتحول بالبلدان المستوردة من الانبهار بالواقع الافتراضي إلى الاصطدام بالواقع الحقيقي للبلد المصدِّر.
وهكذا يعيش الشباب نظراً لتسارع الأحداث في حاضر أبدي وفقدان للتاريخ، إذ يصبح البحث عن الإثارة والسبق إليها أهم من الإعلام عن القضايا الوطنية أو الدولية وأبعادها. الواقع يتحول إلى مقتطفات مبتسرة منه، وذلك ما دعا أحد أساتذة تاريخ الحضارة في جامعة كاليفورنيا وهو (فريدريك جيمسون) إلى القول بأن: ((ثمة ما يغري بالقول إن وظيفة وسائل الأخبار بالذات ليست سوى دفع الوقائع الحاضرة في الماضي بأسرع وقت ممكن))، ويضيف قائلاً: ((إن أحد أبز سمات الإعلام المرتبط بظهور الرأسمالية الاستهلاكية متعدد القوميات، هي اختفاء التاريخ، فالنظام الاجتماعي بأكمله بدأ يفقد شيئاً فشيئاً قدرته على الاحتفاظ بماضيه هو ذاته،
إنه يعيش في حاضر أبدي، الماضي القريب يصبح تاريخاً بعيدً، مما يطمس المرجعيات الاجتماعية، وكأن وسائل الإعلام لا تقوم سوى بقتل الأخبار، أهم القضايا الإنسانية سرعان ما تصبح قديمة ويطويها تلاحق الأحداث)). ينتقل التركيز من قضية إلى أخرى، وتسلط الأضواء على الموضوعات من مكان إلى آخر في العالم، مما يجعل الأحداث الكبرى تتقادم بسرعة غير مسبوقة،لا وقت للتفكير والتحليل والاستيعاب ، ومن ثم اتخاذ المواقف ، انطباعات تتراكم بدون وقت كاف للوقوف عندها.
يمكن القول أن عصر الاعلام الجديد قد داهمنا و الفكر العربي المعاصر مازال لم يستوعب معرفياً عصر الاتصال التقليدي ، ليظهر علينا الاتصال الافتراضي مع بداية الألفية الجديدة دون سلاح معرفي نحتمي به ، وبالتالي فالشباب العربي يتعرض لتقنيات الاعلام الجديد ، وهو لا يملك الزاد المعرفي الكاف، والحس النقدي في مجال فك رموز الصور، وقراءة معانيها، وامتصاص تأثيرها، لذا فإنه من الضروري تفاعل منظومة (مؤسسات التعليم+ الأسرة+ وسائل الإعلام+ منظمات المجتمع المدني)، من أجل نشر الثقافة الإعلامية، وتنمية الاستيعاب النقدي، كأساس في التعامل مع تطبيقات الاعلام الجديد ، والاستخدام الأفضل لها من قبل الشباب.
