يدرك المجتمع الغربي جيدا ومنذ أمد بعيد أن قوة العرب والمسلمين تتجلى في توحدهم الجغرافي والديني. لسيما الشق الدبلوماسي والمنظومة الحاكمة منه والمؤسسات الفكرية و الأكاديمية.
فشبح عصر الظلمات قبل النهضة الأوروبية لايزال يترائى في مخيلة النخبة الفكرية والسياسية إلى حدود نهاية الخلافة العثمانية، و أمجادها التاريخية لاتزال شاهدا على هذا التحدي حتى اليوم. في حين أن العديد من النخب العربية المتعصبة للوحدة الإسلامية والعربية غالبا ما تتنكر لهذه النهضة العربية التي استيقظ
على انقاظها الغرب، وترفض الوحدة الإسلامية وإن كانت تصب في تطور مجتمعاتنا ، علما بأن تجربة الأتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ماهو إلا صورة من الوحدة العثمانية آنذاك.
فالمجتمعات الغربية والنخبة السياسية منها بالأساس استوعبت الدرس جيدا ، وبالتالي طبقته بالحرف في اتفاقية سايكس بيكو وغيرها من الاتفاقيات التي سعت إلى تقسيم المحزأ ، وقد فرح كل بليلاه، والحقيقة أن ليلى مغتصبة ومستباح عرضها من كل شارد ووارد ، وعصمتها بيد اعداءها من المحيط إلى الخليج.
لم يكتف العالم الغربي بهذا التشظي الذي شكله في الجسد العربي والإسلامي ، لذلك فهو يسعى لتجزيىء المحزأ وبخطى حثيثة مؤمن بنجاحه لأن خيوط اللعبة بيده ، والأطراف المستفيدة من تقطيع المحزأ ، فهي تقبل به وإن ضاقت عليها رقعة الشطرنج ، فجزء من الكعكة خير من لاشيء.
لبنان على سبيل المثال البلد الصغير ، الذي بقدر ما صغرت مساحته، تجسدت فيه أكبر تقسيم عرقي وطائفي وديني . وقد ساهمت فرنسا في توظيف الطائفية من خلال نظام المحاصصة وتوزيع النفوذ السياسي داخل البرلمان.
بعد أن تعرضت في حقبة الثمانينات أطول وأشرس حرب أهلية لازالت تحصد آثارها إلى اليوم بين الفينة والأخرى. في حين أن إتفاق الطائف سنة 1989 لم ينهي الصراع بصفة نهائية.
النظام الغربي يدرك الأثر الفعال في اللعب على الوتر الطائفي والعرقي ، ناهيك عن التوترات التي صنعها بين الحدود العربية الممتدة المتداخلةبين دولة وجارتها، لذلك فهو يسير على نفس النهج مع ما تبقى من الجسد العربي ، ويهرول نحو أي بلد عربي متى شعر بمصادر القوة لديه.
"الوجهة التالية بلاد النهرين. "
العراق بلد الرافدين والمجد والتراث ، غير أن البعبع الذي قض مضجع الغرب واليهود خاصة ، هو إدراكه بوجود المليون عالم ذرة. اما الذريعة التي تسللت بها أمريكا مع باقي الدول التي تحالفت معها ؛ لم يكن بسبب دكتاتورية صدام أو امتلاكه أسلحة نووية كما أدعت ، بدليل أن معظم حكام العرب يمارسون الدكتاتورية على شعوبهم ، وإنما كان بسبب ثرواته النفطية ومؤهلاته العلمية التي تجسدت في علمائه ، ناهيك عن تاريخه العريق الممتد إلى ما قبل الميلاد.
" زعماؤنا " العرب لم يعتبروا من الاتفاقيات بعد الحرب العالمية الأولى والثانية التي حيكت ضدهم. كذلك التاريخ يعيد نفسه، فحينما غزت أمريكا العراق تآمر عليها كل الحكام العرب ، مستبعدين أن الدور لن ياتي عليهم في المستقبل . ولم يفطنوا إلى المثل الشائع " أكلت يوم اكل الثور الأبيض ". وعلى نفس وثيرة العراق ، تعد العدة لسوريا واليمن والحبل على الجرار ، اما السودان وزعت بين شمال مسلم وجنوب مسيحي أسرع مما كان يتوقع البعض !
" اليمن بين شقي رحى"
السعي إلى تقسيم اليمن كان قائما على قدم وساق بعد سقوط الملكية في اليمن بعد ثورة 1962، وكما هو معلوم لم يفلح نظام علي عبد الله صالح في حل الخلاف القائم بين الشمال والجنوب ، بل تأجج الصراع بين أعوام 1972 و1979 ، وكان بامكان الرئيس عبد الله صالح كسر شوكة الحوثيين في الشمال آنذاك ، لأنهم كانوا لم يُيستثمروا بهذه القوة لصالح الإيرانيين كما هو الشأن اليوم . وكل التقارير على الأرض تقول أن الحوثيين باعتبارهم أحد مكونات الشعب اليمني؛ وتقسيم اليمن بين شمال وجنوب فكرة كان بإمكان القضاء عليها. غير أن الرئيس علي عبدالله صالح استغل فترة الصراع مع الحوثيين لتثبيت علة وجوده واستمراره في السلطة ، بابرام اتفاقيات ومقابلات مع الحوثيين أنفسهم في فترة التسعينات !
" الأطماع السعودية والاماراتية من المستفيد من تتوير الصراع "
لا أحد ينكر الأطماع السعودية الاماراتية في اليمن ، في الوقت الذي ساندت فيه دول التحالف التحرك السعودي ضد التوسع الحوثي بنية كبح التمدد الإيراني في منطقة الخليج ، وانقاذ اليمن من مستنقع الفقر والنزوح.
تظل أهداف التوسع الإماراتي في اليمن لها مصوغاتها من وجهة نظرها إلى حد ما ، فالإمارات تطلعاتها كبيرة في بلد تضيق عليه حدوده وسماؤه ، لذلك فهي تثوق أن تتمتد جغرافيا في العمق اليمني ، في حين أن الجزر الثلاث الإماراتية طنب الصغرى وطنب الكبرى تحت النفوذ الإيراني ولم تتمكن أن تتفاوض على حبة رمل منها منذ سنة 1971.
بينما الأطماع السعودية باليمن ، فهي اقل ما يقال عنها طمع في التوسع ما وراء حدودها ، فهي في غنى عن ضم الأرض والحجر ، بقدر ماهو كان استعراض القوة في الحديقة الخلفية في مساء مشمش بطلعة أو طلعتين آنذاك.
اليوم توسعت الاهداف على تقسيم السيادة باليمن بعيون الغازي على مغارة علي بابا والأربعين حرامي ، بين سقطرى لصالح الحلم الإماراتي، والعيون السعودية الرابضة بين تعز والمهرة وميناء نشطون من أجل التوغل في بحر العرب ، ناهيك عن جراتها على باقي الموانىء بالحديدة.
الحلول من بلاد العم سام
الحديث عن الإدارة الجديدة بقيادة بايدن بمحاولتها حل الأزمة باليمن من خلال مبعوثها الأممي، مراعاتا لحليفها السعودي الحارس الأمني لشركة أرامكو لسيما بعد وصول ضربات الحوثي إلى هناك ، لم يكن من أجل سواد عيون اليمنيين ، أو طلعة الأمير سلمان. بل تحسبا على مصالحها النفطية في منطقة الخليج . وكما لا يخفى على أحد أن قدرة الولايات المتحدة على إنهاء الحرب داخل اليمن ضد الحوثيين بطلعتين ، ووقف نزيف الدم منذ اكثر من ست سنوات . إلا أن الحراك الدبلوماسي الأمريكي الأخير سار عكس التيار عندما صرح بايدن بأن الحديث عن الإدارة الجديدة بقيادة بايدن بمحاولتها حل الأزمة باليمن من خلال مبعوثها الأممي، مراعاتا لحليفها السعودي الحارس الأمني لشركة أرامكو لسيما بعد وصول ضربات الحوثي إلى هناك ، لم يكن من أجل سواد عيون اليمنيين ، أو طلعة الأمير سلمان. بل تحسبا على مصالحها النفطية في منطقة الخليج . وكما لا يخفى على أحد أن قدرة الولايات المتحدة على إنهاء الحرب داخل اليمن ضد الحوثيين بطلعتين ، ووقف نزيف الدم منذ اكثر من ست سنوات . إلا أن الحراك الدبلوماسي الأمريكي الأخير سار عكس التيار عندما صرح بايدن بان الحوثيين ليسو بجماعة إرهابية ، بمنطق شرعنة الحرب بين الحليفين وخصومهم .
وتلك هي سياسة أمريكا تتراوح بين العصا والجزرة تارة ، أو تلعب بالبيضة والحجر تارة أخرى.
لذلك فالرهان على إنقاذ اليمن حتى يعود سعيدا كما كان ، يجب أن ينطلق من داخله بين عشائره وقبائله، واستبعاد كل أيادي الخونة الملوثة لأرضه وسمائه .